عرض مشاركة واحدة
   
غير مقروء 11-21-2012, 08:13 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مراقب عام

إحصائية العضو






راعي الكيف is on a distinguished road

 

راعي الكيف غير متواجد حالياً

 


المحادثة: 0
المنتدى : تغذية من المواقع
افتراضي "راحوا الطيبين"..!!

ذات نهار وأنا أهمُّ بالدخول لإدارة مـا في إحدى مدننا الكبيرة؛ بسبب مراجـعة تخصني في ذلك اليوم، صادفت في طريقي شاباً في نهاية العشرينيات من العمر - كما بدا لي في قياس السنين - وما إن تجاوزته بخطوات معدودة صعوداً مع الدرج في ذلك اليوم الأكثر حرارة حتـى ربت على كتفي ثلاث مرات، اثنتَيْن على اليمين، وواحدة جهة اليسار..!!
التفتُّ على عجل من أمري، وفي غفلة مني؛ من جراء استغراقي العميق في التفكير وهموم الحياة، ممزوجة بلحظتَيْ ذعر وغضب في آن. وقبل أن أفتح فمي متسائلاً: ما الخطب على طريقة "خير"، أو بمعنى أدق "وش عندك"..!! بادرني بدوره بالتحية وابتسـامات صفراء، قرأت من خلال ملامح التعبير لهما انعكاس مشهد صورة ذعري بالنسبة له عبر عينيه الذابلتين والطافيتين بفعل السهر، وما كان يخفي وراءهما من مقدمات لطلب خدمة أقدمها له. فقال لي بعد تنهيده بالحركة البطيئة وصوت أقرب للهمس "لو سـمحت أريد منك خـدمة عاجلة: إذا تكرمت تحرر لي شكوى". فرددت عليه باستغراب موضحاً له أن كتابة الشكاوى لا تحتاج إلى كل هذا العـناء والضرب على أكتاف المراجعين "أمثالي"، واستنزاف أوقات الآخرين؛ "فالمسألة أكثر سهولة وبإمكانك أن تلخص شكواك بنفسك دونما مساعدة من أحد، بأن تحدد مطلبك في نقاط مختصرة ومحاور واضحة للوصول إلى غايتك في النهاية إن كنت على حق"..!!
فرد عليّ بالقول والتأكيد أن مشكلته "معقَّدة شوي"، وأن قضيته بالغة الصعوبة "حبتين"، ملخصاً إياها بأنه قد تقاسـم مع إخوته ـ والحديث له ـ أراضي وبعض المال، معللاً ذلك بأنه لا يعـرف الكتابة والإملاء. عندها اقتنعت بعذره، وجلـسنا سوياً على كراسي الانتظار، فقـلت له وأنا أرسم شبه ابتسامة "هات القلم والدفتـر"، مبدياً له استعدادي، ومعلناً له رغبتي في الكتابة؛ لعل الأجر يكون في تلك الحروف. وقبل أن أبدأ في الكتابة سألته "لماذا لا يتدخل والدك للفصل بينكم إن كان على قيد الحياة؛ ليحل هذا الإشكال العالق بينكم ومثل هذا النزاع وما آل إليه التوزيع؛ لتنتهي المشكلة بشكل ودي وأخوي وفي جو عائلي مُرْضٍ للجميع..؟!!". فصدمني بالرد بأن أباه هو سبب الإشكال - على حد قوله - وأن هذه الشكوى من الأساس تأتي ضـد الأب، وأنه يرفض رفضاً قاطعاً تقسيم أبيه بينهم؛ فنهضت بشكل تلقائي من هول ما سمعت وصدمة وقع الخبر والرد الصاعق مما قاله لي؛ ذلك أني أدركت عن قناعة أن مثل هذا الابن لا يستحق في الحقيقة مبدأ المساعدة أو حتى مجرد إهدار الوقت للاستماع إليه؛ لأنه رفض مبدأ توزيع الأب لإنهاء تلك الشراكة بينهما، وأنه أيضاً يشك في عدل أبيه..!!
وقبل أن أنهض بسـرعة من عنده أخليتُ التزامي معه بعبارة "مع نفسك"، وأكملت في ذلك النهار مراجعتي، لكني في الواقع أُصبت بخيبة أمل باتساع الفضاء مما وصل إليه حال البعض من الأبناء في هذا الزمن إلى الحد الذي قد لا يتـورع فيه أحدهم من شكوى أخيه في أسوأ الأحوال، فضلاً عن أن يكون الطـرف الآخر في الشكوى أباه..!!

إن هذه القصة وغيرها تجعلنا مطالبين بإعادة النظر في تربية أبنائنا بالمعاملة الحسنة والعدل والمساواة والتوجيه الصحيح، وعلى أسس راسخة من الاحترام والطيبة وفعل الخير والتحلي بالإيثار الإنساني الجميل؛ حتى لا نتعرض في يوم من الأيام لشكوى من أحدهـم، أو نحتاج لترديد العنوان أعلاه متحسرين على طريقة "راحوا الطيبـين"..!!



http://sabq.org/jY0aCd







رد مع اقتباس