سألتني هل تزوج النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ على خديجة؟ قلت: لم يتزوج عليها حتى ماتت؛ إكراما لها، وتقديرا لسابقتها وفضلها وصديقيتها، على أنه تزوجها وعمرها أربعون بينما كان عمره ــ عليه الصلاة والسلام ــ خمسا وعشرين!
خديجة سيدة الإسلام الأولى لم تذق نكد المشاركة من أخريات، بل ظفرت بالحبيب المصطفى قلبا وجسدا، وهذا شرف لم يشاركها فيه أحد.
نعم؛ تزوج الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ بعدها وعدد، وأذن الله في كتابه بالتعدد بشرط العدل.
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) (النساء: من الآية3).
قال الضحاك وغيره: (فإن خفتم ألا تعدلوا..) في الميل والمحبة والجماع والعشرة والقسم، (فواحدة)، وهذا منع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القسم وحسن العشرة.
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك». أخرجه أصحاب السنن، وابن حبان، والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
على أن شكواك أيتها الفاضلة لها ما يسوغها، فليس من الوفاء أن تعيش معها دهرك الأول، وزمن البناء والتأسيس لشخصك، ومشروعك ومنزلك، وهي تشاطرك العناء، وتدفعك للإنجاز، وتضحي معك، وتبذل من مالها في البناء والشراء والعمل.
ثم تفاجأ في لحظة قصيرة أنك أضفت إلى دفتر العائلة فتاة صغيرة لم تقطع معك مراحل عمرك ولم تعش صعابه، بل وجدتك في قمة إنجازك ونجاحك، أو في طريقك الهادئ، فأخذتك كلك عاطفة وروحا وحنانا وعطاء، ورميت بيتك الأول وأسرتك وأول
ادك جانبا، تمر مر الكرام، وربما تلقي السلام، ولكنك متحفز مستوفز عجل، تنظر في الساعة وتقلب عينيك يمينا وشمالا، وتتحجج بالمعاذير، ولم تكن كذلك من قبل.
أين الوفاء للأولى ومشاعرها وعيشتها الطويلة معك؟ لماذا لم تجعلها تشاطرك التفكير ــ على أقل تقدير ــ بدلا من أن تعلم بذلك من الناس أو تفاجأ به بعد حدوثه بزمن؛ مما جعلها تشعر وكأنها مغفلة لا تدري، وهي آخر من يعلم!
الشاب الآخر فتى لم يتكون بعد، ولم يقو عوده، يسكن بالإيجار وراتبه قليل، ولديه أطفال.. وهو يخطط للتعدد ويقول: «إن الرزق على الله»، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة!
العدل مسألة بالغة الأهمية، وكم من الناس من لديه القدرة على العدل في النفقة ــ هذا إذا كان يجد النفقة ــ والعدل فيما يستطيع العدل فيه، والحفاظ على نفسية الزوجة والأولاد.