إمارة مكة: ثقافة الإقصاء.. أم إقصاء الثقافة

لم يمر على مكة سياسة ثقافية خانقة منذ تاريخها – لقرّاء التاريخ - كما يمر بها اليوم من تهميش المثقفين، وإقصائهم من المراكز الثقافية، والتضييق على الفعاليات الثقافية، وإجبار إدارات التعليم والأندية الأدبية ولجان التنمية ومكاتب الدعوة على الرفع بأسماء ضيوفها قبل انعقاد أي برنامج بـ60 يوماً! وعدم السماح لمن يظهر لديه أي بوادر سياسية أو أفكار إصلاحية في الظهور؛ الأمر الذي لا تمارسه بقية إمارات المناطق الاثنتي عشرة!

والمتتبع لناصية المشهد الثقافي يدرك جيداً أن أمير مكة، خالد الفيصل، أبرز المثقفين على مستوى الوطن العربي، وذلك بإنشائه مؤسسة الفكر العربي في عام 2000م، التي يأتي أحد أبرز أهدافها دعم المبدعين، ورعاية الموهوبين من أبناء الأمة العربية، إضافة إلى إنشائه العديد من الجوائز على مستوى السعودية، ومبادرات ثقافية وتنموية أخرى لا حصر لها، لكن حين تنظر إلى منصبه الرئيس أميراً للمنطقة، وما تمارسه إمارته من تضييق على الثقافة، وتحجيم للمثقفين، و"تطفيش" لهم، تدرك مدى الهوة بين واقع الأفكار التي يؤمن بها، والممارسات التعسفية التي تُمارَس، سواء منه شخصياً أو من المجلس الثقافي المنبثق من الإمارة.

لقد كانت مكة – وستظل - مشعلاً للنور والثقافة والهدى والدعوة، وأي تحجيم أو قرار اعتسافي ليس من مصلحة المعرفة والثقافة، ومراقبة هذه المؤسسات وإعطاؤها حرية الإبداع ثم محاسبتها أولى من التضييق عليها، وكبتها في نسق محدد، وأوقات معينة، وأشخاص مَرْضي عنهم.
ألا يتذكر سمو أمير مكة حينما قال قبل سنوات في محفل كبير بين عدد من التربويين في تعليم الليث: "مللنا من البقاء في العالم الأول، ولا رقي إلا بالعلم"؟ أم أن "الجمركة" لا تطول إلا الرقاب الصغيرة والأيدي البسيطة.

معظم الذين سيقرؤون حديثي هذا سيطالبون ببيّنة واضحة، وهذا أمر سهل بالنسبة لي على الأقل؛ فقد أُقصيتُ خلال أربعة أعوام من عضوية ثلاث جمعيات ولجان في إحدى محافظات الأطراف بالمنطقة، تُرفع الأسماء إلى الإمارة، ثم تعود خالية من اسمي، تُرفع الثانية، وتخلو من أسماء عدد من الإعلاميين، تأتي الثالثة - وهي اللجنة الثقافية - وأفوز بأعلى أصوات الأعضاء، ثم تُرفع للإمارة في إجراء قمعي جديد، ويُحذف اسمي منها، ولو لم تكن الثالثة ثابتة لما تحدثت بذلك، أو أعرته اهتمامي، لكن الأمر بدا لي كأنه استهداف شخصي، ولاسيما أن الإمارة لم تفسّر حتى سبب هذا الاستبعاد أو الإقصاء رغم كتابتي لهم بالعديد من الخطابات؛ ما يعني أن وراء الأكمة ما وراءها.

لقد حضرتُ قبل أعوام في نادي جدة الأدبي مستمعاً إلى محاضرة الأمير خالد الفيصل، التي حملت عنوان "ثقافة الإحباط.. لماذا؟!" وتساءل حينها عن نشوء هذه الثقافة، رغم المشروعات التنموية وقرارات مجلس الشورى الإيجابية والاستقرار السياسي، كما يقول؛ لذلك فإنني سأجيبه هنا بكل صدق كما لم يسمع من قبل، معتذراً إليه إن جاءت إجابتي متأخرة، وأن تأتي متأخراً – كما يقال - خيرٌ من ألا تأتي؛ فأقول: إن هذه الثقافة نشأت لأنها أهملت "روح" الإنسان وحريته وصوته، رغم أنها حملت شعار "الإنسان أولاً"، وكلّه كلام يا عبدالسلام.



http://sabq.org/xd1aCd