مصالح التجار.. الوطنية على المحك!

أرعد وأزبد بعض التجار والمقاولين السعوديين بعد فرض رسوم العمالة الوافدة، وتبجح بعضهم بالخروج من السوق متحدياً قراراً إصلاحياً دون أي حس وطني أو حمرة خجل.

يتحدث التاجر دائماً بمبدأ الربح، وهو حق مكفول له ديناً وعرفاً، لكن أن يتعدى الحديث المقبول، ويصل لدرجة المراوغة، فهنا تكشف زيف بعض النفوس ولهاثها اللاأخلاقي وراء المال. ومن يتحدث عن زيادة الأسعار مخالف لحقيقة الواقع؛ فبحسبة بسيطة لا تتجاوز الرسوم يومياً سبعة ريالات، وهي تساوي ربح مطعم بخاري عادي من بيعه لكل نصف دجاجة مشوية، وكذلك تعادل أقل من 5% من ربح محل ملبوسات لفستان سهرة، إضافة إلى أن الريالات السبعة تشكِّل رقماً مضاعفاً للمئات من ربح متجر صغير للمواد الغذائية.

قرار وزير العمل يدخل في قائمة القرارات الشعبية المفصلية؛ حيث يمنح المؤسسات الصغيرة تركيزاً في جلب العمالة المحترفة دون تستر أو تلاعب، ويجعل الشركات الكبيرة تحدد حاجتها الفعلية من تأشيرات العمل دون تفكير في عمليات بيعها في السوق السوداء.

حتى أن البعض عجز عن وضع حقائق رقمية لتأثير القرار، فقالوا إن مستشاري الوزير غير سعوديين.. وهنا أقف احتراماً لمثل هؤلاء المستشارين الذين قدموا مصلحة الوطن على مصلحة بني جلدتهم، وهندسوا قراراً يمنح الوطن مبلغاً يفوق 20 مليار ريال سنوياً.

ما يثير في هذا القرار هو تباكي بعض المقاولين الحكوميين رغم صمتهم وغيابهم عمداً عما يعانيه المواطنون من تعطل غير مبرر لمشاريعهم، ثم عن أي تكلفة وخسائر يتحدثون وهم يوكلون ثلثي مشاريعهم لمقاولي الباطن من غير السعوديين دون أن يضيفوا رقماً في حجم الحركة التجارية المحلية؟ فيما تتزايد التحويلات الخارجية كل عام؛ فبحسب بيان لشركة "ويسترن يونيون" المتخصصة بقطاع خدمات تحويل الأموال بلغ حجم تحويلات العمالة الأجنبية بالسعودية حاجز الـ420 مليار ريال خلال أربع سنوات.

فكيف يتجرأ مقاول مضت سنوات على تسلمه مشاريع محورية في المدن والقرى دون أن تنتهي، ويتجاوز مدة التنفيذ مشوهاً المنظر الجمالي لمدننا، وبالدليل والبرهان لا يكلف المقاول نفسه مشقة إنهاء المشروع في وقته المحدد، ويبقى مماطلاً ومتعمداً التأخير بعد أن يشق طريقاً تاركاً بضعة عمال وعدداً من المعدات في زاوية قصية من الموقع دون حراك، أو يحفر أرضاً لقيام مبنى لجهة خدمية يتوق أهل المكان لخدماتها.

أسئلة مهمة تبحث عن إجابة حاسمة من بعض المقاولين: كم بلغ المردود على الوطن والمجتمع منهم؟.. وكم سعودياً وظفوا؟.. وكم تبرعوا في كارثة؟.. كم دعموا عملاً خيرياً؟.. كم مركزاً ثقافياً أو صحياً ساهموا في إنشائه وتشغيله؟..

لا حل لكبح جماح التجييش إلا أن تقوم وزارة العمل بعمل إحصائية بعدد المقاولين الذين أنهوا مشاريع حكومية في وقتها المحدد، وتعفيهم من أي رسوم لثلاث سنوات قادمة، رغم تشاؤمي الكبير؛ لعدم وجود مقاولين بهذا التميز.

من الغباء أن يتصور تاجر عجز الدولة عن ممارسة حقها في جلب مقاولين من الخارج لتنفيذ الأعمال بمبالغ تقل كثيراً عن فلكية الأرقام التي تطرحها الشركات الوطنية، والعقاب الفعلي يتشكل في توضيح القوة في تنفيذ القرار، فإن خسرت الخزينة مبالغ خلال سنة فحتماً ستعوضها في سنوات لاحقة عن طريق التعاقد الرخيص بالجودة الأعلى مع شركات أجنبية، أسوة بما هو معمل به في دول مجلس التعاون الخليجي.

رغم ما سبق يبقى قطاع الصيانة والتشغيل المتضرر الأكبر على المدى القصير من القرار بحكم حصر عقوده في تنفيذ أعماله بعدد عمالة محدد، وتلك مشكلة سهلة الحل بالتراضي بين الجهات الحكومية والجهات المنفذة.

في مقابل ذلك تبقى محال التجزئة غذائية كانت أو كمالية جزءاً من منظومة تستر كبيرة لا يمكن لأحد تجاهلها، وبتكتلات تجارية ضخمة من الجنسيات الشرق آسيوية والعربية، تتحكم في حركة السوق، وتحمل أي قرار مثير إعلامياً كوسيلة سريعة لرفع الأسعار، وتحميلها على جيب المستهلك.

تنفيذ القرار بشكل حازم يبيد أي شكوك من أنه سيكون حفلة إعلامية صاخبة دون تنفيذ فعلي، والحزم في تطبيقيه يعزز من قوة الدولة في تطبيق قراراتها دون تفرقة أو عنصرية، وسنعود بعد سنوات نذكر بالخير وزير العمل عادل فقيه، ونشكر له جرأته واندفاعه الوطني.



http://sabq.org/ZY0aCd