ملامح الطفولة تجبرك على أن تبتسم رغماً عن آلامك؛ فالصدق والعفوية والشفافية أبرز عناوينها، وصراحة الأطفال تُشعرك بطمأنينة الحياة، التي لوثتها المادية المفرطة؛ فأصبحت حركاتنا وسكناتنا لها تراجم ومعانٍ، قد لا نفهم فحواها، ولا نعي محتواها.
ابني الوليد - الله يصلحه - ذو السنوات الخمس يبتسم لرؤية والديه وأحبته، يحتضنهم، ويتحدث معهم بعفوية؛ فهو لا يملك ذلك الكوب الممتلئ بآراء من حوله، صفاء في القلب والعقل جعله يرتاح في تعاملاته مع البشر، فيشعرني دائماً بأن أجمل أصدقائي هو الوليد وقبله عبدالرحمن.
جرّب أن تصاحب الأطفال، وتعيش بجوارهم، وتتعلم منهم النوايا الطيبة، والذهن الصافي؛ فالتعاملات المقيتة تنشأ من افتراضات سوء النية؛ فالبعض منا يمد يديه ليأخذ قبل أن يعطي، ويطالب المجتمع بأن يتبناه وهو متقوقع حول ذاته؛ فهو يشعر بأن عطاءه سيكون هباءً منثوراً في البيئات التي يعيش فيها؛ لأنه ممتلئ بتجارب وخبرات سالبة، صنعها المتشائمون حوله؛ فهم يفترضون أسوأ الظروف؛ حتى لا يتخيلوا الجميل والحسن ثم يُفاجؤوا بعكسه، ويغشاهم الندم.
حتى في تعاملاتنا التجارية، المستثمرون في بيئات الأعمال لدينا، بوصفهم نموذجاً للأكواب الممتلئة، يشعرون بأن العميل غشاش متلاعب، يظهر ما لا يبطن! فلا يثقون به، ولا يشعرون بالأمان معه، والشعور نفسه المتبادل من العميل نفسه يجسد ثقافة الخيانة وعدم الثقة بين البشر؛ فنحن نردد دائماً "سوء الظن فطنة"، وتفوقت المجتمعات الغربية حتى وصلت لأقاصي الدنيا؛ لأنهم يؤمنون بأن المنحنى الطبيعي يحوي الراقي والسيئ، لكن أغلبية البشر يتراوحون بينهم في نسب معقولة لا تعطلهم عن العمل.
همسة واقع..
أنت من يزرع الثقة فيمن حولك، وأنت من تصنع الأمانة بحسن ظنك! فالأصل في ذوات البشر الجميل والحسن، فقط تأمل الأطفال حولك! لتكتشف أننا كنا يوماً مثلهم، لكننا تغيرنا مع وعثاء الحياة وكآبة المنطق والمنطلق، فليتني أعود طفلاً؛ لأشعل الحرارة في قلبي البردان.
http://sabq.org/Pc1aCd