"تقديس" المسؤول..!!

ارتبطت القداسة عادة بالأمور الدينية، كأن نقول "المشاعر المقدسة" و"الأراضي المقدسة".. إلخ. لكن في قاموس بعض الإداريين والسكرتارية العاملين في مكاتب المسؤولين ما يُشعرك بشيء من القداسة ـ إن صح التعبير ـ لبعض مسؤوليهم. ومن شاء فليذهب لأحد المسؤولين كمدير عام أو نائب مدير عام؛ ليلاحظ ذلك الأمر بنفسه، وسوف يرى العجب العجاب؛ ما يجعل المرء في حيرة من أمره من كل تلك الهالة التي تحيط بالمسؤول من القداسة والتمجيد، والجيوش المجيَّشة من الموظفين، سكرتارية وقهوجية، وربما مدَّاحون وشعراء، يتجاوزون العشرة، ولا أدري لماذا كل ذلك العدد من الموظفين الذين يخدمون رئيسهم، أو "معزبهم" على حد قولهم؟! حتى لو عطس تجد أحدهم عند وجهه يأتيه بمنديل قرباناً لرضاه!! وبعد ذلك هل نلوم بعض المسؤولين حينما يتشبث بالكرسي؟! ويهز رأسه لرئيسه الذي أعلى منه، ولا يعترض على أي قرارات تؤخذ، حتى لو أدى بعضها لمخالفة أنظمة البلد، أو عاداته وتقاليده؟!!
كنتُ في مكتب أحد نواب المدير العام في منطقة مكة، ويا لعجب ما رأيت: أولاً: مكتب "طول بعرض"، فخامة ديكور على أفخم طراز، هذا من ناحية الشكل والمنظر. أما موظفوه من سكرتارية وغيرهم "اتفقنا إنهم جيوش مجيَّشة!!" فيشعرونك بأنك مذنب حتى تثبت براءتك، لا مواطن عادي تُراجع لمقابلة ذلك المسؤول أو لمعاملة لديك! وتخبرهم بأنك مستأذن من عملك، ساعة أو أقل، فيقال لك على الفور بعذر جاهز "سعادته مشغول ولديه اجتماع يومياً في مكتبه من الساعة الـ 8 – 12 ظهراً". طيب، متى ينتهي سعادته؟! فيقال لك بعد الظهر!! طيب، الموظفون في قطاعات أخرى لا يمكنهم مراجعة سعادته مرتين، ولا يستطيع الموظف الخروج للمراجعة يومياً، فضلاً عن مجيئه مرة أخرى إلى ذلك المسؤول بعد الظهر وقت الذروة وزحمة البلد حينها، فضلاً عن أن ذلك الوقت مخصص عند بعض الناس لإحضار أبنائهم وبناتهم من المدارس؛ فبعضهم ليس لديهم سائقون!!
وختاماً.. سؤالي للجهات الرقابية: لماذا تلك الهالة التي تحيط بالمسؤول؟! ولاسيما أنهم يُعتبرون قياساً بمسؤولي الدولة من صغار المسؤولين؟!! ولماذا لا يكون لدى ذلك المسؤول وغيره سكرتيرٌ واحدٌ فقط؟! ونوفر تلك الجيوش المجيَّشة من الموظفين في مكتب سعادته لأعمال ومهام أخرى، وهذا وهو لم يحصل على لقب "معالي"؛ فكيف به إذا أصبح من أصحاب المعالي؟! هل سيجيِّش جيوشاً أخرى من الموظفين لخدمته وتنفيذ أوامره التي من أهمها "زحلقة" المراجعين؟! تلك القداسة والهالة – إضافة إلى الموظفين الكُثر الذين يحيطون بمعاليه أو سعادته - تشعرك بأنهم سوف ينقلوننا فوراً للعالم الأول، بينما هم في حقيقتهم لا يستطيعون البت في أبسط الأمور حينما يأتيهم الموظف شاكياً، فلماذا كل تلك الهالة والبهرجة إذاً، التي لا توجد إلا في مجتمعنا، وبعض المجتمعات العربية مع الأسف؟!!



http://sabq.org/nf1aCd