نتعلم منذ نعومة أظفارنا أن للطريق حقاً، أوصانا به المصطفى صلوات الله وسلامه، ثم ندرس في المرحلة الابتدائية أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شُعب الإيمان، بل ربما كان هذا الموضوع أحد المواضيع الدارجة في مادة التعبير والإنشاء.
في المقابل، نجد تناقضاً عجيباً في مجتمعنا!!.. فيندر أن نجد من يقيم لذلك الحق وزناً؛ فلو كنت ماشياً وأردت أن تقطع طريقاً للسيارات فقل لي بربك من سيقف لك؟ أمّا الأرصفة ومدى ملاءمتها لحقوق المشاة فحدّث ولا حرج، وكأننا في بلد إفريقي يعيش تحت طائلة الفقر، وعدم توافر البنية التحتية؛ فلا تكاد تمشي في رصيف إلا وتواجهك المصاعب والشدائد من ارتفاعات وانخفاضات وتحويلات.. عدا الحُفر والصبّات!! هذا إذا لم تواجهك بكل عزم وشكيمة براميل الزبالة أو سيارة لم يحلُ لصاحبها إيقافها إلا فوق الرصيف!!.. في منظر لا ينمُّ عن أبجديات الالتزام بذلك الهدي النبوي.
أما إذا كنت في سيارتك فحدّث ولا حرج عن المتهورين في قيادتهم، ممن يمارسون إرهاب الشوارع!! فمنهم من يقطع الإشارة بكل وقاحة واستهتار بأرواح الآخرين، وكأنه لم يمر على مسامعه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. وآخر ينطلق في الشارع بسرعة جنونية وعبث متعمد، يشعرك بأنه يمتلك صكاً بملكية الشارع!!.. وآخر بكل برودة وسماجة يغلق عليك المسار الأيمن عند الإشارة.. هذا عدا من يعتبر الشارع مكبًّا لقاذوراته؛ فتراه يرمي بها من النافذة يمنة ويسرة، في أسلوب لا ينم عن أدنى احترام لحق الطريق.
ذلك غيض من فيض، وإلا فالقائمة تطول كثيراً..
أتحدث معكم بذلك الخلل الكبير في إعطاء حق الطريق لدينا وأنا أتأمل حال معظم الدول الغربية التي تجد فيها إعطاء حق الطريق ثقافة متغلغلة في قلوب مجتمعاتها.. فلا تكاد تقف راجلاً عند حافة الطريق لقطعه إلا وتجد من يتسابق لإيقاف سيارته ليعطيك حق المرور، أما قطع الإشارة فهي لا تخطر على بالهم أصلاً، أما الأرصفة فتجد فيها من التناغم والسلاسة لحقوق المارة ما يعجز القول عن وصفه.
ودعوني أحدثكم عن موقفٍ - لا يزال راسخاً في ذهني منذ سنين - لامرأة بريطانية عجوز في لندن، شاهدتها من بعيد وهي تضرب بعصاها الأرض، ويبدو على محيّاها الغضب الشديد، وعند اقترابي منها إذا هي تزبد وترغي على من رمى غطاء لعلبة مشروب تحت شجرة، وهي تحاول أن تنزعها!! موقف ظللتُ أتأمله ملياً بكل ألم وحسرة على واقع مجتمعنا، ممن يتربى على حق الطريق صباحاً مساء فلا يقيم له وزناً ولا أمتا!!
هل تعلمون سبباً لهذا التناقض الغريب بين ما نتعلمه من هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم والتطبيق؟ هل السبب في نوعية التعليم وطريقته؟ كيف نغرس مثل هذه السلوكيات لتصبح جزءاً من حياة الجيل؟.. أترككم مع تلك التساؤلات، وقد كنت للتو قادماً بالسيارة من أحد الشوارع، وبالكاد تجد لك طريقاً بسبب وقوف السيارات للشراء من المطعم!! جهل مركَّب من البعض، أسأل الله لهم الصلاح والهداية.
أكتب لكم هذا المقال وقد غادرنا للتو "أسبوع الأمم المتحدة العالمي الثاني للسلامة على الطرق"، الذي تشير فيه منظمة الصحة العالمية إلى أن المشاة يتعرضون إلى المزيد من مخاطر الوفاة والإصابة والإعاقة؛ إذ يشكل المُشاة ربع الوفيات السنوية الناجمة عن حوادث المرور في العالم تقريباً. وتطالب بإصدار التشريعات التي تضمن توافر المرافق المأمونة والموثوقة والمتاحة لجميع المُشاة، التي تشمل وفق ما تنص عليه المنظمة "التحكم في سرعة المركبات، فصل المُشاة عن باقي المرور بواسطة الأرصفة وخطوط عبور المُشاة، زيادة وضوح المُشاة للعيان وضمان السلوك المسؤول من جانب مستخدمي الطرق كافة".
وقفة بمقدار 359?:
سُئل المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه - عن حق الطريق فقال "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"، وفي رواية "وإرشادُ السبيلِ".
http://sabq.org/Li1aCd