مع بداية الفصل الثاني الدراسي سأحكي لكم جزءاً من حياة المعلمين والمعلمات، لمن يقول إنهم يأخذون الحوافز أكثر مما يقدمون من تعليم! وهم في الحقيقة يموتون ببطء!
وصل معلمٌ لمدينته التي تم تعيينه فيها مربياً للأجيال، فسأل عن إسكان المعلمين؟ ففوجئ بأنه مجرد حلم قد يستمتع به، لكنه تفاءل وذهب لمديره ليطلب شيك بدل السكن! فقال له المدير: احمد ربك أنك توظفت براتب كامل.
صادف المعلم صديقاً له موظفاً أتى بحلوى وقهوة استقبال أول يوم عمل، لكن المعلم رجع بورقة الجدول في جيبه مثقلاً بـ 24 حصة وأعمال أخرى مطلوبة، وتعميم بالتأكيد على الجدية في الدوام وتوبيخ لتأخرات سابقة ومساءلة غياب آخر يوم دوام!
ذات يوم وقف المعلم بين مراجعي أرقى المستشفيات الخاصة فإذا الموظف يسأل: تأمين أم كاش؟ قال تأمين من وزارة كذا، أو قال: شركة كذا! فجاء دور المعلم فأجاب بروح تموت ببطء: أنا معلم بالكاش!!
ولما خرج من ذلك المستشفى إذا بسائل يسأله أين المستشفى العسكري؟! أو سأل عن الطب الرياضي، أو مستشفى أرامكو، ووصف له وهو للتو عالج نفسه على حسابه متباكياً ألا يكون للمعلمين مستشفى!
وجلس المعلم في محل القهوة مع عامة الشباب فسألوه: لماذا لا تذهب لديوانية المعلمين؟ فلم يجد جواباً! وزادت روحه موتاً!
ثم صادف المعلم رجلاً في ناد رياضي خاص، فسأله لماذا لم تذهب لنادي المعلمين؟ فقال: جئت لممارسة الرياضة حتى لا أصاب بجلطة الموت!
ووصل موعد زفاف المعلم! فسأل الناس ماذا يعمل؟ قالوا معلم، فقالوا مسكين لا حظ له!
ومرة استأذن موظف الشركة من أخيه المعلم لاجتماع المدير العام للشركة مع الموظفين في صالة فندق مميز، فزاد المرض على المعلم! لأن مديره لم يكرّمه أول يوم بحوافز أو طباشير أو حتى لقاء مع كوب قهوة!
ورجع الموظف من أول يوم دوام برسالة خاصة من مديره يهنئه ببداية العمل ورجوعه من الإجازة،فالتفت المعلم إلى نفسه متذكراً التعميم الجديد الذي تصبَّح به بإلغاء مكافآت وحوافز عمله.
ومرة فكَّر المعلم في أن يتقاعد مبكراً؛ لأن عمره الوظيفي الافتراضي في التعليم أقل من الـ 60 سنة، فلم يجد مراعاةً له في النظام!
ذهب المعلم ليستأجر سيارة فأبرز بطاقته المهنية ليحصل على تخفيض فصدم بعدم جدواها.
وما زال صابراً، وأمّل خيراً في المطار لتكون له الأفضلية في السفر، لكنه وجد أن تقديره التهميش والإهمال.
ودائماً يشاهد المعلم أخاه الموظف يتنافس مع زملائه في الحصول على زيادة العلاوة، ومكافأة الشهر،وزيادة أيام الإجازة، لكنه يفاجأ بأن المدرسة تفرض عليه دوّامة من الأنظمة العقيمة التقليدية الكلاسيكية المنهكة.
هذا المعلم مدين لشخص، ودائماً يعده بالوفاء إذا استلم مستحقاته المالية المتأخرة من الدرجة الوظيفية المستحقة له منذ سنوات! لأنه يعلم أن النظام يكفل له صرف أثر رجعي. طبعاً المعلم لم يسدد إلى اليوم!!
كما تراجع شاب عن خطيبته؛ لأنها تعمل معلمة في منطقة نائية، تصحو قبل الفَجر، وتصل البيت قبل المغرب؛ ما يتعذر لها أن تدير بيتها، وتستمر في وظيفتها!
وتركت معلمة أخرى وظيفتها؛ لأنها لم تجد النقل المناسب والآمن لها، كما تأخر نقل زوجها لمكان وظيفتها أيضاً.
ومعلمة أخرى تعرضت لمزيد من المشاكل مع زوجها وقائد الحافلة القديمة الرديئة؛ بسبب بُعد مكان وظيفتها، وما زالت تئن من تلك المشاكل.
هذا جزء من حياة المعلمين والمعلمات، فهم في موت بطيء، موت الروح والهمّة والطموح وموت الإنجاز!
وهنا كيف نطلب ممن تختنق أنفاسه أن يعطي إبداعاً وابتكاراً وتشويقاً للطالب وحماساً وتوثباً للنجاح؟!
المعلم والمعلمة يموت روح العمل في نفسيهما يوماً بعد يوم.
والإسعاف يتأخر، والمستشفى مثقل بالصيانة والتجهيزات والتوظيف، والطبيب نسي مهنة الطب أو تناساها..
وهنا أقول:
من ينقذ روح المعلم قبل أن تموت فيموت؟!
http://sabq.org/9c1aCd