تناولت كل وسائل الإعلام تسلُّل الإثيوبيين أو (الأحباش)، كما يسميهم العرب، إلى مناطق جنوب المملكة، بل توسّع تسلُّلهم إلى مناطق أقرب إلى وسط المملكة. وتحدّث الناس عن مخالفاتٍ خطيرة يقوم بها أولئك المتسلّلون, كبيع الخمور والسلب, والنهب, واستخدام العنف في ذلك, فدبً الذعر بين الأهالي وأصبح لدى الكثير منهم ما قد أسميه (فوبيا إثيوبيا).
وطالعتنا الصحف الإلكترونية والورقية وبعض القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، على صورٍ ومقاطع فيديو تشتمل على عمليات القبض عليهم, وأن ذلك لا يتم بسهولةٍ ويسرٍ, واللافت للنظر أن هؤلاء الأحباش جميعهم من فئة الشباب اليافع, وعندهم قدرة على تسلُّق الجبال والعيش في المغارات والكهوف, ما يشير إلى خطورتهم, ويثير تساؤلاً عن الهدف من مجيئهم, فإذا كان الفقر والعوز هما اللذان دفعاهما الى الهجرة غير القانونية الى المملكة, فلماذا لا يكونون مسالمين, يظهرون للناس فاقتهم واحتياجهم, كي يستدروا عطفهم للإحسان اليهم, ثم لماذا اُشتهر عنهم تعاطي المخدرات وشرب الخمر, وحمل السلاح الأبيض وغيره, وهم يجوسون خلال الديار الجنوبية مساء كل يوم, يثيرون الرعب والقلق بين الأهالي, ويتسللون لِواذاً حيث المساكن المهجورة, والمزارع النائية, ثم يظهرون تحت جنح الظلام حتى إن مَن رآهم لا يدري أهم أشباح أم أحباش؟
ولولم يكن للمواطن يدٌ في تشجيعهم بادئ الأمر, بالسكوت عنهم وعدم إبلاغ السلطات بوجودهم, لما شجّع بعضهم بعضاً في هذه الهجرة غير المشروعة, وحين بلغ السيل الزبى, جأر الناس منهم وتنادوا مصبحين, أن احملوا عليهم أجمعين, وكأن وجودهم وليد اللحظة, وليس نتيجة إهمال عددٍ من السنين, اشترك فيها المواطن والجهات الأمنية هناك.
إننا نجمع على أن المواطن هو رجل الأمن الأول, هكذا قال ولاة الامر, ولذا فإن من أوجب واجباته الحفاظ على أمن البلد وسمعته, وعليه مسؤولية الحفاظ على صورة هذا الدين الإسلامي, بألا يظلم, ولا يتجبَر, ولا يحتقر أي إنسان, بل يترك للعدالة الاقتصاص من المخطئ والمخالف.
أقول هذا وأنا اتألم للخطأ الذي ارتكبه بعض المواطنين حين تم ربط أحد الإثيوبيين بحبلٍ في عنقه، كما تُربَط الدواب, وكذلك مشاهد العنف عند إلقاء القبض عليهم من بعض المواطنين, ورغم تفهمي العناء الكبير في مطاردتهم واللحاق بهم, إلا أن كل ذلك لا يبرّر ما شاهدناه, بل يصبُ في مصلحة أعداء الدين الإسلامي, ويكون متكئاً للمتربّصين بسمعة المملكة, ممَّن يدّعي الحفاظ على حقوق الإنسان, فليس من الحكمة نشر مثل تلك الصور, وهذا يقودنا إلى ضرورة التعاون مع الجهات الأمنية حفاظاً على أرواح أبنائنا الذين يساعدون على الإبلاغ عنهم, والقبض عليهم, وخشية من عدم حُسن التصرّف عند القيام بذلك.
كما أن على الجهات الأمنية أن تكون شفافة ومبادرة في معالجة هذا الأمر لوأد الشائعات, وإبطال الأقاويل الكاذبة, والمبالغة, التي صوّرت البلد وكأنه لا أمن به وأعطى ذلك مبرراً لاقتناء السلاح والظهور به علانية, وقد يشجّع على المتاجرة به في ظل التهريب الواسع النطاق عبر الحدود الجنوبية مع اليمن, التي تمتاز بوعورة طرقها, ومجاهل مساربها, واتساع مداها, الأمر الذي يكلّف الجهات الأمنية المعنية جهوداً مضنية.
http://sabq.org/pf1aCd