من خلال ما يمر عليّ في عملي من قضايا ووقائع أجد أن كثيراً منها قد فُصل فيها لعدم وجود البيّنة، وعدم قبول المدعي ليمين المدَّعَى عليه.
وعدم قبول المدعي لهذه اليمين فيه وجاهة؛ فلو كان المدعي سيركن إلى ذمة خصمه في إثبات حقه لما لجأ إلى القضاء ابتداء.
ومما أرى أن هناك تفريطاً شديداً من الناس في توثيق حقوقهم والتزاماتهم بداعي الحرج، أو أن المال يجري بينهم فلا حاجة للكتابة الرصينة والحساب، وليس هذا إلا مجاملات، يتحسر المفرط على لحظة حديثه بها إذا حل النزاع والخلاف.
فعدم استشعار الدور الوقائي الذي قد يقوم به المرء أثناء معاملته قد يقوده إلى الخسارة، والولوج في دوامة إثبات الحق وانتزاعه. ولا يخفى على كل قارئ لكتاب الله أن أطول آية فيه جاءت في الحث على توثيق المداينات والمعاملات بالكتابة والإشهاد، مع التأكيد على أنها نزلت في أفضل العصور وبين أكرم الناس، وفي عهد رسولنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فأبسط ما يكون هو ذكر الدائن والمدين، وسبب نشوء الدين، وذكر مبلغه أو وصفه بشكل ينفي الجهالة، وتحديد أجل سداده وشكله ودفعاته، أو ذكر طبيعة التعامل وتفاصيله إن كانت في غير الديون، والإشهاد على ذلك.
ولا أرى حرجاً في أن يوثق المرء حقه بين أهله وقرابته؛ فهذه الحقوق قد تضيع بسبب تغير الحال، أو تبدل النوايا، أو موت يغيّب أحد الأطراف.. والمحاكم مليئة بالقضايا المشابهة؛ فالأولى توثيقها ضماناً للحقوق وقطعاً للنزاع، وكما قيل "الثقة لا تنافي التوثيق".
بقي أن أقول إن البعض يظن أن توثيق حقه بشكل صحيح قد يتم عن طريق تسلُّم شيكات موقَّعة بقيمة الدَّين وبتاريخ آجل، وأود التوضيح أن هذا الفعل قد يعود على محرر الشيكات ومستلمها كذلك بالمسؤولية، وذلك بعد أن أسبغ المنظم الصبغة الجزائية الصارمة على المتلاعبين بالشيكات؛ كون الشيك في أصله أداة وفاء، وليست أداة ضمان؛ فاحذر من أن تجد نفسك وقد آل الحق عليك، بدلاً من أن يؤول إليك!
http://sabq.org/Rg1aCd