قال تعالى {يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكنَّ خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} سورة الحجرات آية 11. هذه الآية الكريمة عميقة في معناها الأخلاقي، وترسم منهجاً في التواضع وحُسن التعامل، وآداب الإسلام الخالدة؛ إذ ينهى الله - عز وجل - عن السخرية بالناس واحتقارهم والاستهزاء بهم واستصغارهم، وهو أمر محرَّم شرعاً؛ فقد يكون المحتقَر أعظم قدراً عند الله - عز وجل - وأحبَّ إليه من الساخر منه المحتقِر له. كما حذر الله تعالى من اللمز؛ إذ قال تعالى {ولا تلمزوا أنفسكم}، وقال تعالى {ويل لكل همزة لمزة}، وقال تعالى {هماز مشاء بنميم}، أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغياً عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة.
وقال تعالى {ولا تنابزوا بالألقاب}، أي لا تدعوا الناس بالألقاب السيئة التي لا يحبونها، والتي يُسيء الشخص سماعها.
وللأسف، نقرأ هذه الآية الكريمة في صلواتنا، ويتكرر شرحها في مدارسنا، ولكن السائد في المجتمع عكسها بل زيادة تحقير الآخرين والسخرية منهم والاستهزاء بوضعهم المالي، أو بأنسابهم، أو بألوانهم.. وهذا قمة الجهل، ويدل على خلل كبير في قيم المجتمع وعاداته وتقاليده.
وأذكر بساطتنا في الرياض وفي جميع مدن السعودية حينما كنا نعيش أسرة واحدة، لا يتم الحديث عن ألوان أو أنساب أو قبائل، بل التقوى والأخلاق والتعليم وحُسن التعامل هو السائد. فما من مجتمع تسود فيه العنصرية، ويكون تقييم الناس قائماً على اللون أو خاصية الدماء الزرقاء، إلا ويقدم دليلاً على التراجع والنكوص. وها هو المجتمع الأمريكي الذي يسود العالم يقوده رئيس أسود. وقد أعجبني شجاعة بعض العلماء الذين رفضوا مسايرة بعض فئات المجتمع في أمر حسمه الدين؛ فقد زوَّج الرسول - صلى الله عليه وسلم - ابنة عمه زينب القرشية مولاه زيد بن حارثة، وقرَّب بلال الحبشي وسلمان الفارسي على أبناء قريش؛ لأن الدين وخدمته هما الفيصل في ذلك، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى. وقد جاء ذلك في كتاب قيم للدكتور خالد الجريسي، افتُتح بكلمات للشيخ عبدالله بن منيع - حفظه الله - والشيخ عبدالله بن جبرين - رحمه الله - وربما هما مَن تتلمذا على سماحة العالِم الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -.
لهذا فإن ما صدر من بعض جماهير الهلال بترداد كلمة (نيجيريا) أمرٌ يجب التعامل معه بحزم وشدة، ويجب التوعية بخطورة هذا السلوك الذي يتنافى مع تعاليم الإسلام العظيمة، وينبغي أن تتعاون الأجهزة الحكومية، مثل وزارة التربية والتعليم، التي تتحمل الوزر الأكبر في هذا الأمر، وكذلك وزارات التعليم العالي والثقافة والإعلام والشؤون الإسلامية، بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب؛ لوضع خطة توعوية شاملة مع ضوابط شرعية وقانونية حيال هذه التجاوزات الخطيرة من أي مجموعات جماهيرية كانت؛ فقد علَّمنا ديننا الأخلاق، ووحَّدنا البطل الموحِّد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وجعل الفيصل في التعامل والتقويم مرتكزاً على الخدمة والكفاءة في الأداء والجدية والولاء والإخلاص والعطاء لهذا الوطن المبارك.
وللأسف، لا يمكن تجاهل حالات تهاون في موضوعات وقضايا تبعاً لمجاملات الانتماء القبلي أو العشائري، وهذا خيانة للأمانة والعدل الذي هو مرتكز أساس في ديننا الحنيف. وقد جاء في الحديث "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود، ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى. الناس من آدم، وآدم من تراب". وأفضل وضع يتمثل فيه ذلك نجده في الحج والعمرة؛ إذ الناس سواسية كأسنان المشط في الدين الحق. قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم..}.
http://sabq.org/Zi1aCd