لقد ضقنا ذرعاً بما تحمله لنا التكنولوجيا من مفاجآت في عصر العولمة؛ فحينما نجد أن مدينة البندقية قد انتقلت من إيطاليا إلى السعودية في لمح البصر فإن هول الصدمة قد يجعل منا عاجزين عن استيعاب الخبر، ولكنها الحقيقة.
لقد تحولت قبل مدة ليست ببعيدة مدينة جدة إلى مدينة عائمة في ساعات معدودة، وتلتها الآن مدينة تبوك المنكوبة؛ والفضل في ذلك يعود إلى أمانة المسؤولين القائمين على درء أخطار السيول بالأمانات والبلديات في كل المدينتين، بالرغم من أن حكومتنا الرشيدة لم تقصر أبداً في تخصيص المليارات لتلك المشاريع للحد من أي كوارث محتملة في أي مدينة.
في المرة الأولى التي غرقت فيها مدينة جدة لم نكن نعرف ما الأسباب وراء تكدس المياه بهذا الشكل المخيف، الذي راح فيه العديد من الأرواح، ولكن في المرة الثانية التي تجددت فيها الكارثة في منطقة أخرى مثل تبوك أدركنا أن الأمانات لمحافظاتنا ومدننا أرادت لسكانها أن يعيشوا تجربة السفر إلى المدن العائمة دون تكبد العناء في الإعداد لذلك؛ فشكراً لكل مسؤول يؤنبه ضميره على ما يقدمونه من مشاركات وجدانية للمتضررين وتبريرات واهية لكل ما يحدث في كل مرة. يا للعجب! فبدلاً من أن يتنقل سكان مدننا بعد هطول الأمطار في سياراتهم لممارسة حياتهم الطبيعية أصبح من الأجدر بهم اصطحاب قوارب بدلاً منها للنجاة بأرواحهم من تلقاء أنفسهم؛ فبالرغم من وجود الحضارة لدينا والتمدن إلا أنني لا أراهما يطبَّقان في هذه الحالة، وعلى هذه المشكلة بالتحديد؛ فكل دائرة من الدوائر المعنية لحل هذه المشكلة تلقي باللوم على غيرها؛ فأصبحنا نعيش العشوائية والهمجية واللا حضارة.. وأصبحت الخسائر في الأموال والأرواح التي تحصل نتيجة هذا الإهمال الواضح والمتكرر كأنها مشاكل طبيعية تعودنا على سماع أخبارها دون السعي وراءها لحلها بشكل جدي؛ فكل كارثة وراءها مسؤولون "ومَنْ أَمِن العقاب أساء الأدب"؛ فأين العبرة من الكارثة الأولى التي ما لبثت أن تكررت بصورة مفجعة وغريبة تسيء إلى دولة لم تتوانَ في توفير الإمكانيات لبناء بنية تحتية سليمة للحفاظ على سلامة شعبها، ولكن للأسف هناك ضمائر ميتة، استلمت أمانة الحفاظ على أرواح المواطنين دون مبالاة؛ فأصبحوا كمن يقولون للقضية أو المشكلة "اعتمدي على نفسك لتحلي تعقيداتك"!
إلى متى ستظل الضمائر نائمة؟ فليس من المنطق أن تُكرّر المشكلة نفسها وعلى فترات دون إيجاد حل جذري لها! ففي المقابل هناك أرواح تُزهق، وأملاك تذوب في السيول كما يذوب الملح في الماء، فإن لم تكن أمانات المناطق قادرة على إيجاد خطط بديلة لمشاريعها ومنعها من الفشل عند حدوث كوارث فلماذا تتكبد عناء التفكير في إيجاد مشاريع جديدة تصبح بمنزلة كارثة وأفخاخ مميتة عند حدوث أي اختلاف في العوامل البيئية؟ وعندما نجد العذر في كل مرة أن أغلب المنازل بُنيت في مناطق عشوائية! فأين أنتم عندما بُنيت؟ أليست من مسؤولياتكم؟ فهل ستطوى هذه القضية كسابقتها دون حل، وتصبح مدننا أسطورة من أساطير الماضي بعد فترة من الزمن، أم أنه جاء الوقت لتصحو الضمائر من سباتها العميق، وتُنتشل هذه المدن من خطر الغرق قبل فوات الأوان؟
http://sabq.org/td1aCd