عرض مشاركة واحدة
   
غير مقروء 03-26-2013, 02:16 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مدير عام

الصورة الرمزية بتال بن جزاء

إحصائية العضو






بتال بن جزاء is on a distinguished road

 

بتال بن جزاء غير متواجد حالياً

 


المحادثة: 0
المنتدى : تغذية من المواقع
افتراضي التربية الذاتية: حاتم الأصم نموذجاً

كنت أتمنى من وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله، في تصريحاته الصحفية المتعاقبة، خلال الأسبوع المنصرم، أن يتحدث عن أزمة تردي التعليم بشفافية- إن كان يدرك ذلك- بدلاً من مقارنته بين المعلم الوطني والفنلندي، وأزمة المباني المدرسية، والتأمين الطبي، فهذه قضايا اسُتهلكت كثيراً، وأصبح الحديث حولها تكراراً لا مبرر له.


وسأحكي هنا حادثة عجيبة، ذكرها أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين في هذا الشأن، قد تُصَوّر جزءاً من علّة التربية في العصر الحديث، بطلها فتىً يقال له حاتم الأصم، قد صحب أستاذه شقيق البلخي ثلاثةً وثلاثين عاماً، وحين سأله عمّا تعلّمه منه خلال هذه المدّة، قال: ثماني مسائل، فاسترجع البلخي وغضب، كيف أن شطر عمره ضاع، ولم يتعلم تلميذه إلّا بضع معارف قليلة، لكنه مع ذلك وبعد أن هدأ واستراح، طلب سماعها، فطار لبّه عجباً، وانشرح صدره؛ لأنه أدرك أن هذه المسائل هي أبرز الخطوط العريضة للتربية الذاتية في كل عصر.


قال حاتم: أما المسألة الأولى التي تعلمتها علي يديك: فإني نظرت إلى الناس، فرأيت كل واحد يتعلق بمحبوبٍ، فإذا ذهب إلى القبر فارقه محبوبه، فجعلت الحسنات محبوبي، فإذا دخلت القبر دخلت معي.


أما الثانية: فإني نظرت إلى قول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40- 41] فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله.


والثالثة: أنّي نظرت لهذا الخلق، فرأيت أن كل من معه شيء له قيمة حفظه، حتى لا يضيع، فنظرت إلى قول الله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ} [النحل: 96]. فوجّهت ما معي لله ليحفظه عنده.


كل ذلك يحدث، وأستاذه يستمع ويتأمل ويتعجب.


ثم يقول مستطرداً: أما الرابعة: فقد رأيت الخلق منهم من يتباهى بماله، أو يفتخر بحسبه فتأملت قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فاتّقيت الله حتى أكون عنده كريماً.


والخامسة: أنني شاهدت الناس وهم يطعن بعضهم في بعض، ويلعن بعضهم بعضاً؛ بسبب داء الحسد، وحين نظرت إلى قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدنيا} [الزخرف: 32]. فاجتنبت الناس، وعلمت أن القسمة من عند الله.


وأما السادسة فإن الله تعالى يقول: {إن الشيطان لكم عدوٌّ فاتخذوه عدواً} [فاطر: 6] فتركت عداوة الخلق وتفرغت لعداوة الشيطان وحده.


وأما السابعة: أني نظرت إلى الخلق فرأيت كل واحد منهم، يكابد نفسه ويذلها في طلب الرزق، ونظرت إلى قول الله عز وجل: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6] فرأيت أني أحد هذه الدواب، فاشتغلت بما لله علي، وتركت ما لي عنده.


والثامنة: أني نظرت إلى الخلق، فرأيت كل مخلوق منهم متوكل على مخلوق مثله، هذا على ماله، وذاك على ضيعته، وتأملت قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] فتركت التوكل على الخلق، واجتهدت في التوكل على الله.


انتهت حكاية الأصم، لكن حكاية التربية لا تنتهي، فالمتأمل في هذه القضايا الثمانية يتساءل: هل تركز مناهجنا على قيم الحب، ونهي الهوى، والمال، والخلق الحسن، والتوكل. فالحب لمن؟ والأهواء كيف تُدفع؟ وأين مناط التفاضل بين الناس؟ وكيف يُطلب الرزق؟ وكيف تكون العلاقة مع الله، ثم مع المخلوقين؟ هل أزمة التعليم لدينا تكمن في الطالب اللامبالي، أم المعلم غير المؤهل، أم في المجتمع غير الواعي، أم في المحتوى غير المناسب؟! أسئلة مدبّبة في وجه التاريخ!




http://sabq.org/Dg1aCd







التوقيع

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

رد مع اقتباس