الموضوع: الحلم بالحرية
عرض مشاركة واحدة
   
غير مقروء 12-05-2012, 10:30 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مراقب عام

إحصائية العضو






راعي الكيف is on a distinguished road

 

راعي الكيف غير متواجد حالياً

 


المحادثة: 0
المنتدى : تغذية من المواقع
افتراضي الحلم بالحرية

الحرية هي الكلمة التي تحرِّك المشاعر، وتدغدغ الأحاسيس.. والكل يبحث عنها، ويخطب ودها، والبعض يدعيها، ويقسم بأن له علاقة بها:

وكل يدعي وصلا بليلى *** وليلى لا تقر لهم بوصل
وكثير من الناس من يدفع نفسه مهراً لها متمثلاً بقول الشاعر:

تهون علينا في المعالي نفوسنا *** ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
لقد تطرق الشيخ الدكتور صالح بن حميد، المستشار بالديوان الملكي إمام وخطيب المسجد الحرام، إلى معنى الحرية، وأنها هي القدرة على الانضباط، وليست التسيب، وكان كلامه موجَّهاً إلى المبتعثين والمبتعثات ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.

وأعجب ما في هذه الكلمة الساحرة المسماة "الحرية" أنها تقوم لأجلها الحروب، وتُفنى بسببها الشعوب، فيسعى الباحثون عنها إلى التضحية بالحرث والنسل ظناً منهم أنهم سيجدونها تحت أنقاض البنايات التي هوت بمن فيها، وتحت جثث من ظنوا أنهم أخفوها، فإذا ما انجلت الحرب بغبارها، وخمدت نيرانها، وظن الكل أنهم في ظلالها، إذا بالقادم لا يختلف عن الذاهب، وإذا بالخلف هو صورة عن السلف، وتبقى الحرية لغزاً يصعب تفسيره، وحلماً يتعذر تأويله.

والسبب في عدم الوصول إليها هو "عدم معرفتها"؛ فالجاهل بالشيء لا يجده حتى ولو كان متكئاً عليه؛ لذا بحث الناس عن الحرية، وحينما بذلوا الغالي والنفيس للحصول عليها، أو الوصول إليها، إذا بهم يجدون وجهاً غير الوجه الذي بحثوا عنه، وليلى غير التي تغزلوا بها.
فما هي الحرية إذاً؟؟؟؟؟؟؟

هل هي حقيقة ما قيل عنها "أنت حر ما لم تضر" أم الحرية "هي أن تفعل ما يجب لا أن تفعل ما تحب" أم هي "رفض كل القيود على كل ما يراد قوله أو فعله"؟..

ولعل أقرب تعريف للحرية هو "أن تفعل ما يجب لا أن تفعل ما تحب"، فإذا كان بمقدور الإنسان أن يعمل ما يجب عليه تجاه دينه وأهله ومجتمعه فتلك هي الحرية، ولا يعرفها حق اليقين إلا أولئك الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الصلاة في المساجد إلا خلسة خوفاً من السلطات، كما كان حال الناس في ليبيا أيام معمر القذافي، وما هو حاصل الآن في سوريا، وما كان عليه حال المسلمين في الاتحاد السوفييتي قبل زواله.

إن المتبصر في الأشياء والمتمعن في الأمور يعلم علم اليقين أنه لا توجد حرية مطلقة، لا حدود لها ولا قيود عليها، حتى في المدينة الفاضلة التي عاشت في وجدان الفيلسوف أفلاطون؛ فهي زرع لا ينبت إلا في ظلال الأمن، ولا تسقى إلا بماء النظام، ولك أن تتخيل مجتمعاً لا تحكمه أنظمة، ولا تضبطه قوانين.. الناس يسيرون كيفما أرادوا وحيثما شاؤوا، دون قيود أنظمة المرور وإشاراته واتجاه سيره، بدعوى حرية الحركة والتنقل، وإعلاماً يكتب المرء فيه ما يريد فيمن يريد دون محاسبة أو معاقبة بدعوى حرية الرأي والكلمة، والناس يتصرفون مثلما يشتهون في تجارتهم وبيوعهم وتعاملاتهم مع غيرهم دون تنظيم وتوثيق وعقود، بدعوى حرية التملك، كيف ستكون حال الدنيا؟ وهل يعيش الإنسان حرًّا طليقاً آمنا على نفسه وعِرْضه وماله؟

إن الإنسان الذي من طبيعته حب المال والاستزادة منه لا يصلح أن يبقى منفلتاً؛ لأنه سيطغى على غيره، ويختلق الذرائع والمبررات ليمتلك كل شيء.

ولا يفوتني أن أشير إلى أن الدول التي تتشدق بالحريات هي أكثر الدول صياغة للأنظمة والقوانين؛ لعلمها أنه لا حرية مطلقة يمكن أن يعيش فيها البشر، بل تفاخر تلك الدول بما سنته من قوانين وأنظمة تخالف المفهوم المجرد للحرية.

لقد كانت رؤى أرسطو وأفلاطون، ومن بعدهم الفارابي، ثم بن خلدون، رؤى لا يمكن تحقيقها رغم أنهم لم يقولوا بوجود حرية مطلقة؛ فذلك ضد التمدن الذي كانوا يتخيلونه في كتاباتهم.
وخلاصة القول: إن من يدعي وجود حرية مطلقة بلا حدود ولا قيود عليه أن يتخيل عالماً خالياً من القضاة والشرطة والجمارك وحرس الحدود ومكافحة المخدرات والغش التجاري والبنوك والحقوق والأنظمة والقوانين.. وعند ذلك سوف يصبح الأمر حلماً مزعجاً، لا يستطيع معه عاقل أن يستمتع بغفوة في نومه، رغم أنه مجرد حلم.



http://sabq.org/tZ0aCd







رد مع اقتباس