جامعة نورة و"فيشار" المجتمع 1/ 2

تابعت مثل غيري الكثير في شبكات التواصل الاجتماعي، أو من خلال الصحف الإلكترونية والورقية، حول ما حدث مؤخراً لجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن من خلال طلبة العلم في مجتمعنا وما تقدموا به من شكوى لمعالي وزير التعليم العالي من خوفهم على الجامعة وانحرافها بشكل غير مُرْضٍ للمجتمع، والخوض في سياق الاختلاط الذي تم إشاعته من بداية الفصل الدراسي الأول لهذا العام الدراسي، عندما انتشرت إحدى الصور التي يوجد فيها أحد أعضاء هيئة التدريس مع الطالبات في أحد التخصصات العلمية وهو يشرح أمامهن، دون وجود حاجز أو فاصل بينهم.

تعليقي هنا ليس على ما حدث وما سيحدث - لا قدر الله - في المستقبل من جامعة نورة، أو من غيرها، ولكن تعليقي من جانبين:

الجانب الأول: دورنا نحن أفراد المجتمع، وكيف لنا أن نتصرف بعقلانية في مثل هذه المواقف.

والجانب الآخر: دور وزارة التعليم العالي في مثل هذه المواقف في بدايتها.

أنا لا أعلم ما الذي يوجد في أجندة جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن من خطط قريبة المدى أو بعيدة المدى، تتصل بالواقع التعليمي أو الواقع القيمي للطالبات والأعضاء لديها، ولا أعلم ما الذي يوجد في أجندة أي جامعة أخرى غيرها من خطط، ولكن الأمر الذي أنا متأكدة منه تماماً هو أن هناك سياسة للتعليم أوجدتها المملكة العربية السعودية عندما بدأت التعليم بشكل رسمي، وفتحت المجال كذلك لتعليم الفتاة قبل عشرات السنوات؛ وعليها فكل الجامعات تلتزم بها مجبرة، وليس لها أي فرصة أن تغاير النهج أو أن تنقض العهد.

والكل منّا يعرف أن وثيقة التعليم في المملكة العربية السعودية قد دوِّنت بنودها في عام 1390هـ/ 1970م، أي منذ سنوات وسنوات، ولم تتغير بنودها، ولم يعترها أي حذف أو تبديل. ولقد تعلم هذه البنود وحفظ هذه الوثيقة كل خريج جامعي أو خريجة جامعية. ومن أول بنود هذه السياسة غرس العقيدة الإسلامية والمثل العليا في نفوس الناشئة؛ ليكونوا لبنات صالحة في المجتمع، مع إكسابهم المعارف والعلوم وغيرها.

إذاً، من الطبيعي أن نجد هناك من أفراد المجتمع من يمتعض لما يحصل في جامعة الأميرة نورة من تجاوزات، وإن كان البعض يقول أنتم تتحدثون في أمور سطحية، ولا علاقة لها بالتعليم أو لا علاقة لها بسياسة الجامعة!!

إن أي مؤسسة تربوية لا تجد النجاح إلا عندما تتفق مع سياسة المجتمع الذي تسير فيه على اختلاف مذاهبه ومشاربه، فإن أرادت هذه المؤسسة أن تتجاوز فلا ريب من أن هناك أفراداً يحملون هم هذا المجتمع سيتصدون لما يحدث من تغيير أو أمر منافٍ لأمر العقيدة أولاً ولسياسة وثقافة المجتمع ثانياً.

بل إن الكثير من الأفراد يرى أننا نتحدث عن أمور تمثل القشور، أو كما يصف بأنها مثل "الفيشار"، أمور تكبر في بدايتها وتتصاغر عندما لا نهتم بها مع الوقت! ولكن ما يحدث لا يمكن أن يتم السكوت عليه، ليس لأنه مخالف للسياسة التعليمية فقط، بل لأن فيه جرحاً لثقافة المجتمع التي يسير عليها، والتي تأسس عليها؛ فالخطأ إن استمرأ عليه المجتمع بات أمراً طبيعياً مع الوقت، واحترام الثقافة الاجتماعية من الأساسيات التي تؤدي إلى نجاح أي مؤسسة تربوية أو أي صرح تعليمي ومؤسسي بشكل عام.

أنا هنا من خلال حديثي في المقال أحاول قدر الإمكان أن أكون موضوعية وبعيدة عن الذاتية في حديثي، فلا أخفيكم أني عندما رأيت أول نقاش بخصوص تلك الصورة، التي تجمع بين أحد أعضاء هيئة التدريس وطالباته في الجامعة، شعرت بأننا نبحث عن أي خطأ لأجل أن نسقط من هيبة هذه الجامعة، ولكن مع الوقت تأكدت من أن هناك بعض التجاوزات التي تحدث دون وجود أي اعتبار لأفراد المجتمع الذين يحرصون عليه، بغض النظر عن تخصصاتهم أو مناصبهم؛ لذا من رأيي أن تقدم جامعة الأميرة نورة تبريراً يوضح كل ما حدث، وألا تواجه ما يحدث بصمت، بل عليها أن تُنزل من قامتها إلى المجتمع، وتصغي إليه، وتعترف بالخطأ أو تبرره؛ حتى تكون محل ثقة للمجتمع بشكل عام ولطالباتها بشكل خاص.

وكذلك أن تبيِّن من وقتٍ لآخر سياستها التعليمية التي تنتهجها بعيداً عن الرسمية لكل أفراد المجتمع، وأن تصرح بها من خلال المتحدث الإعلامي لها؛ حتى يتم الحفاظ على سمعتها الأكاديمية. ونصيحتي لها بألا تسمح للطالبات باستخدام جوالات الكاميرا أثناء المحاضرات؛ حتى لا يحدث ما حدث إن استمرت على نهجها!




http://sabq.org/bZ0aCd