Twitter عالمٌ من الحرّية ينجب جبناً وتخاذلاً

إن العالم الإلكتروني الافتراضي كان ثورة عجيبة, وطفرة مفاجئة في عالم الإعلام, حتى أنه أورث صدمةً لم يستوعبها المجتمع في العالم الثالث, فتعامل معها بشيء من عدم التوازن, وهو أمر ليس بالغريب, ذلك أن المجتمعات التي عانت من الطفرة الحضارية, وكانت غارقة في مجرى تدفق المعلومات من العالم المتقدم نحو العالم النامي, استخدمت التقنية بشكل غير متقن, كمن يقود دراجةً ناريةً لأول مرة في حياته, فهي تقوده ذات اليمين وذات الشمال فمرّة يسلك بها جادة الطريق, ومرات تهوي في فجاج عميقة.

ومنذُ القدم يستعمل الإنسان ما هيّأه الله له من أسباب العيش الرغيد في الخير و في الشر

قال الشاعر:

كلّما أنبت الزمانُ قناةً ركّب المرءُ في القناة سِناناً

ولا أدل على استخدام العالم الافتراضي عبر (Twitter) في أعمال الشرّ, من قيام عدد من المغّردين في التشهير بإخوانهم المسلمين, بذكر أسمائهم, ونشر صورهم, وسيرهم الذاتية, في الوقت الذي هم فيه مستخفون تحت أسماء وهمية, وشعارات عامة, وصور لا تشير إليهم, خوفاً من الملاحقة القانونية مدعين فعل الخير, ونصح الغير, وكأنهم المعنيون بقول الله تعالى (يستخفون من النّاس ولا يستخفون من الله وهو معهمْ إذ يبيّتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا) سورة النساء, ولذا فإنه لا يخفى على علم الله تعالى من هو مستخفٍ بالليل ومن هو سارب بالنهار فكلاهما في علم الله سواء.

وكمْ من وسيلة خاطئة ظنّ أصحابها أنها تؤدي إلى صلاح ورشد, فكان ظنهم خاطئاً, وحجتهم باطله, ذلك أن الوسائل المحرّمة شرعاً لا تبررها غاياتٌ تبدو سليمة, حتى لو رأى أهلها أنهم يُحسنون صُنعا.

إن عالم تويتر- Twitter قد أوجد جيلاً جباناً لا يستطيع إظهار رأيه إلا وهو محتجب تحت أسماء وهميّة وهذا يشير إلى أمور منها:

أولا: إن هؤلاء غير مؤمنين بما يغرّدون به, ولكنهم يغرّدون خلف من غرّد من أصحابهم, حقاً كان أم باطلا, مستشعرين قول الشاعر الجاهلي:

وما أنا إلاّ من غُزيّة إن غوت غويــــــــــــتُ وإن ترشُد غُزيّةُ أرشدِ

ثانيا: أنهم يكتبون ما يخالفون به الواقع لكي يروا ردَّ فعل الناس ثم يتخيل أحدهم أنه الشاعر المتنبي الذي أشغل الناس في زمنه وكأنه القائل:

أنام ملءَ جفوني عن شواردها ويسهرُ الخلقُ جرّاها ويختصمُ

وثالثا: أن ما يغرّدون به إنما هو أمر مخالف للشّرع والنظام, فيدفعهم خوفهم من المساءلة إلى عدم إظهار أسمائهم الحقيقية, فأطلقوا لألسنتهم العنان في السبّ, والشّتم, والاستنكار وتأليب الناس, ومحاولة زرع الفتنة بينهم, وأجبن الجبن أن يعلم المغرّد أنه على باطل, وما كان ليفعل ذلك لو عرف الناس هويته, وحجة هؤلاء في جبنهم, أن هذا الزمن هو زمن الفاسدين, إذ لا مكان لمن كان مثلهم من المصلحين, وهو قمة الجبن والخذلان أن يبرر فعل السوء بما هو أسوأُ منه, خاصة في هذا الوقت الذي سمح فيه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله للإعلام أن يقوم بدوره الشريف في الإصلاح, وتوعية الناس. وتنبيه المسؤولين في الدولة إلى مواطن الخلل, وأن يستند النقد إلى الشواهد والوقائع صحيحة, التي لا تحتمل اللّبس أو الظن الراجح, مع الابتعاد عن شخصنة القضايا, والتشهير بالأفراد والمؤسسات, إلا بعد حكم قضائي أو إداري قد اكتسب صفة القطعية ووجوب النفاذ, حتى لا يستخدم ضعافُ النفوس حرّية الإعلام للوقيعة بإخوانهم, وكسر كرامتهم, وإيذاء أهلهم وبنيهم, ذلك أن الأحكام الشرعية وما شابهها تراعي الجوانب الإنسانية والاجتماعية التي لا يدركها إلا ذوو الاختصاص.

وحتى نكون منصفين في القول, ولأن التعميم دائماً يكتنفه الظلم والإجحاف, فإن أغلب المغردين ممن لا يظهرون أسماءهم, لا يقولون إلا الخير, والنصح, والتذكير بمواسم العبادات, وإرشاد الناس إلى ما يفيدهم في دنياهم وأخراهم, فهؤلاء كمن يتصدق الصدقة ثم يخفيها خوف الرياء, وابتغاء ما عند الله, فهم أصحاب فضل, يزداد أجرهم إن شاء الله على قدر متابعيهم والمطلعين على تغريداتهم, وهم ليسوا معنيين بما ذكرنا, بل هم قدوة يجب أن يقتدي بهم من استخدم هذه الوسيلة الخطيرة, ورغب في إخفاء هويته.





http://sabq.org/5g1aCd