لماذا يُقبض على المفحطين ومشجعيهم؟

أوردت "سبق" خبر قيام مرور الرياض بحَمْلة، استهدفت المفحطين ومشجعيهم بشارع الفانوس"حي الفيحاء"، وعثرت على سيارة مسروقة وسيارات أخرى دون لوحات، بلغ عددها ثلاثين سيارة، كما استوقفت عدداً من المشجعين بالموقع، وتم القبض على أكثر من ستة وعشرين شخصاً.

لا شك أن مرور الرياض بذل - وما زال يبذل - الجهود للحد من هذه الظاهرة، التي لا يمر يوم دون أن نسمع أو نشاهد فيه حادثاً مأساوياً للمفحطين أو لمن ساقهم قدرهم للمرور بأماكن وجودهم.

ومن خلال قراءة الردود التفاعلية بالصحف الإلكترونية والمنتديات والمدونات ووسائل التواصل الاجتماعي كافة، التي تورد هذه الأخبار، نجد أن الغالبية العظمى يطالبون بإنزال أقصى العقوبات على هؤلاء الذين يروِّعون الآمنين، ولا يعطون الطريق حقه، من كف الأذى والنهي عن المنكر، بل يتسببون في إزهاق الأنفس وإتلاف الممتلكات الخاصة والعامة ثم يولون الأدبار دون أن تهتز ضمائرهم لما قاموا به من أعمال إجرامية، وكأن الله لا يراهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

ولقد تساءلتُ كثيراً عن أولئك المتجمهرين بأماكن مزاولة هذا العمل المشين، هل يا تُرى لهم دور في المسؤولية قضاءً وديانةً؟ وهل يشتركون في الجرم؟ أم أنهم أبرياء، لا ينالهم شيءٌ من الإثم والمسؤولية؟؟

بحثت حالهم، وإذا بهم جزءٌ من المشهد الخاطئ؛ لا يكتمل إلا بهم؛ فهم المشجعون والمؤيدون والممالئون عليه، ولو لم يجد المفحطون من يصفق لهم، ويبرر عملهم الخطير على أنفسهم وغيرهم، ما أقدموا على فعلتهم إلا قليلاً، بل تزداد مسؤولية المشجع، ويكون شريكاً في الجرم حين يتستر على المفحط الجاني، ويدعي عدم العلم به، وهو الذي جال الشوارع وقطع الأحياء السكنية لحضور هذا التجمع المشبوه.

فإن من التمالؤ على الباطل مساعدة الظالم في الهروب من وجه العدالة، وكتمان الشهادة عليه؛ ليستمر في عدوانه ومخالفاته؛ فحري بالجهات المعنية أن تشرك كل مشجع على الأعمال الإجرامية في العقوبة؛ فهو ومن باشر الجرم سواء؛ ذلك أن الفقه الإسلامي قد نهى عن التستر على الجاني؛ لأن في التستر عليه معاونة له على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك في قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

وحتى نعرف مدى مسؤولية المشجّع للأعمال المحظورة، ومنها التفحيط، فلا بد أن نعرف أن التستر هو "إخفاء الشخص المجرم أو المطلوب بحق، أو كتمان خبره، وستر فعله الممنوع عن السلطات المعنية، أو عن صاحب الحق لغرض إنجائه من العقوبة أو الوقوع بيد السلطات"، وهو ما ذكره الدكتور حافظ محمد أنور في رسالته للدكتوراه، بعنوان "التستر والإيواء في الفقه الإسلامي"، ثم أوضح بهذا البحث كيف أن فعل ذلك يؤدي إلى فوات حق الغير وإتلافه والاستفادة منه بوجه غير مشروع.

ولا يدعي عاقل بغير ما ذكرنا، خاصة وقد شاهدنا أشلاءً تتناثر، وأنفساً تُزهق، وسيارات سُرقت أو نُهبت من أصحابها وقد دُمرت جزئياً أو كلياً، وممتلكات عامة قد أُتلفت، ثم تجد تلك التجمعات مرتعاً خصباً لتجارة المخدرات والتغرير بصغار السن لاستخدامهم في أسوأ الرذائل، ونشاهد من يستعرض أمام الملأ بإطلاق النار من البنادق والرشاشات، في مشاهد فوضوية لا يقوم بها إلا من فَقَد عقله وإدراكه؛ فلم يعد يقيم للنظام قدراً، ولا للحياة قيمة، وهو بهذه الأفعال معرَّضٌ للعقاب بموجب النظام؛ فمن حضر لتشجيعه أو عرفه ولم يبلِّغ عنه فهو متستر عليه؛ يلزمه من الإثم بقدر هذا التعاون، ويناله من الجزاء بمثل أثره.

إن اعتقال هؤلاء ومشجعيهم مطلب كل عاقل، بل هو مطلب المجتمع بأسره، ولا يُلتفت لأعذار الجاهلين الذين يبررون هذه الأعمال المشينة بالبطالة لدى الشباب، وكأن الإسلام قد رفع التكليف عن كل عاطل وباطل فأباح له السرقة وتعاطي المخدرات وقتل النفس المحرمة وإهلاك الحرث والنسل!!

إن الله لم يربط تقواه واتباع أوامره والابتعاد عن معاصيه بتوافر الوظائف وانعدام البطالة بل سيحاسَب كل إنسان عن عمره فيمَ أمضاه؟ ولم يرفع سبحانه القلم إلا عن الصغير حتى يكبر، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، كما رُفع الحرج عن أصحاب الحاجات كالمريض والأعمى والأعرج فيما لا يستطيعون فعله كالقتال في الجهاد ونحوه، أما الذين يبررون ما يفعلون من محذورات بالبطالة وفراغ الوقت فإن حجتهم باطلة، بل هو سوء التربية، ولو وجدوا عملاً ما أغناهم عن انحرافهم، ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهوا عنه.



http://sabq.org/3d1aCd