فرعون مصر ووزير العمل!!

ورد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يُؤبه له لو أقسم على الله لأبره"، ومثله ما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة، وهذا يعني أن الوجاهة عند الله ليست بالمراتب ولا بالمناصب، بل بالتقوى، وليس لامرئ أن يزكي نفسه فيرى نفسه محظواً عند الله، حتى موسى كليم الله الذي امتحنه الله حين وجد عبداً مجهولاً من عباد الله عند مجمع البحرين، فعلم موسى أن فوق كل ذي علم عليم.

لقد أذهلني وصدمني ما تناولته وسائل الإعلام الجديد من تهديد أحد الدعاة لوزير العمل بأنه سيمهله فترة للعودة عن قرارات قد اتخذها، يراها ذلك المواطن أنها تهدم الدين، وتحيد بالناس عن الصراط المستقيم، وإلا فإنه سيذهب إلى مكة المكرمة ليس للدعاء له بالهداية، أو أن يدعو الله أن يكفيه بما يشاء، ولكن ليدعو عليه بأن يصيبه بمرض السرطان. وهذا ليس دعاء لله، وإنما هو اقتراح على الله، وذلك يتنافى والأدب مع الله، وفيه واعتداء في الدعاء.

ورغم اختلافنا مع بعض قرارات وزير العمل من وجهة نظرنا، وهي وجهات نظر، قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، إلا أن إجلالنا لله يجعلنا لا نتجرأ عليه بأن نضمن استجابته لمطالبنا واقتراحاتنا، إلا في باب حسن الظن به سبحانه، دون المجاهرة بما نظنه كرامات لنا؛ فقد يدخل الشيطان في أنفسنا العجب؛ فنصبح كالذي قال الله عنه في سورة الأعراف الآية 175 (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها).

إن الدعوة التي يخاف الإنسان منها هي دعوة المظلوم في جوف الليل، التي حذر رسولنا الكريم منها، وهي سهام الليل.

أما أن يأتي عبد من عباد الله أمام جمهور من الناس ليفتخر بأنه سبق أن دعا على شخص آخر فأصابه الله بالسرطان استجابة لدعائه، وأن ذلك المصاب اتصل بالداعي يستسمحه، فلم يرق قلبه، بل دعا عليه، ويهدد وزيراً آخر بأنه سيورده مورد الهلاك بدعائه عليه عند الملتزم، فذلك اعتداء في الدعاء، ويتنافى مع الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وتألٍّ على الله؛ فليس - يا أخي - كل من ابتُلي بمرض السرطان كان عقوبة من الله؛ فكثير من علمائنا ومشايخنا كانت وفاتهم بهذا المرض، بل إن الأمراض المزمنة هي من الأمراض المكفِّرة للذنوب على قدر معاناة المسلم منها؛ لأن الله أرحم بعباده من آبائهم وأمهاتهم، بل إنه سبحانه أرحم بالعباد من أنفسهم، فيا ليت الدعاة يتأسون برسول الرحمة محمد بن عبد الله، الذي كان يدعو للكفار بالهداية ويخيِّره الله بين هلاكهم فيختار غير ذلك، لعل الله يهديهم أو يُخرج من أصلابهم مَنْ ينصر هذا الدين، وكذلك أمر الله نبيه موسى وأخاه هارون – عليهما السلام - أن يذهبا إلى فرعون فيقولا له قولاً ليِّناً، فهل وزير العمل أشد فساداً في الأرض ممن قال لقومه أنا ربكم الأعلى، وقوله ما علمت لكم من إله غيري؟! وهل ذلك الداعية أكثر غيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أشد في الحق من كليم الله موسى عليه السلام؟

سؤال يجب أن يعرف إجابته كل من تصدى للقيام بالدعوة؛ فهي أمانة ورسالة ومسؤولية، لا يجب أن يقوم بها إلا من كان حريٌ بها؛ فلا يكفي أن يكون الإنسان مندفعاً؛ فالأجر على قدر أثر الفعل ومنفعته.
نسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا، ويهدينا إلى صالح القول والعمل.



http://sabq.org/db1aCd