في معظم الدول المتقدمة، لا توجد وزارات للإعلام أو حتى الثقافة، فالإعلام لديهم حرٌّ ونزيه، والمثقفون مستقلون عن السلطة ولا يخضعون للوصاية، ولذلك فإن إعلامهم تجاوز أسماع وأبصار العالم، وليس غريباً أن يحصلوا على مراكز متقدمة في التصنيف السنوي لحرية الصحافة لعام 2013م, والذي صدر قبل أيام من منظمة مراسلون بلا حدود، فيما جاءت المملكة، ومعها دول عربية أخرى في ذيل القائمة وبالتحديد في المرتبة الـ (162) من مجموع 179 دولة في العالم.
لقد أدركت الدول الغربية، معنى أن يكون الإعلام الحقيقي بلا مظلة رسمية، تحد من حريته، وتضيق على الصحفيين في تحقيقاتهم وأخبارهم، كما أدركت هذه الدول أن المثقف الواعي يجب أن يعمل منفرداً، ويفكر بطلاقة، ويقيم الفعالية التي يريدها متى شاء، وأنّى شاء، بل وينشئ المركز أو المعهد المتخصص الذي يريد، ويحصل على ترخيصه في غضون ساعات، لأنها ترى أنه صوت للناس وانعكاس للمجتمع, وليس بالضرورة والحالة هذه أن يكون نتاجه الأدبي والفكري متناغماً مع توجهات الدولة، وإن كان يعمل وفق أنظمة دستورية واضحة تحفظ حقوق كافة الأطراف.
والدولة الراسخة هي من تصنع ثقة الشعب فيها وتضع عناصر (الدين، الوطن، التجريح الشخصي) خطوط حمراء يحذر الاقتراب منها، لكنها في نفس الوقت تتيح للجميع حرية الكلام والكتابة والنقد، كي تستفيد من أخطائها وتعدلها، وذلك لأنها تثق في أن المثقف, سواء كان داعية أو مفكراً تتسم نظرته الفاحصة غالباً بالاتزان والشمولية، تجاه الأمة والهوية، فتطوّعه لصالحها بدلاً من مجابهته والتضييق على رأيه، أو استمالته بالأموال، والإغداق عليه بالأعطيات, وشراء ولائه الرخيص، حتى يصمت، وبذلك تستمر مسيرة المجتمع (الدولة والشعب) بشكل متوازن.
عبدالرحمن منيف تحدث في كتابه "بين الثقافة والسياسة" عن الدور المطلوب من المثقف العربي، في هذا العصر الأمريكي، مشيرا إلى أنه بغياب الثقافة والمثقف، تتهاوى المناعة الاجتماعية. وأنه لا يمكن للمثقف، أن يكون بديلاً عن المؤسسة السياسية، إضافة إلى دوره البارز في تأصيل الثقافة الوطنية والهوية، التي تميز الشعوب، لذلك فإن تحرير الصحافة ووسائل الإعلام من الرقابة الخانقة يتيح للرأي الصادق والناضج أن يقول كلمته دون حذر من محاكمة النوايا أو الأشخاص.
http://sabq.org/di1aCd
الإهداءات
المواضيع المتشابهه
بين الصحافة والثقافة
العرض العادي
