حتى لو سُوِّرت المشاعر.. الافتراش حاضر!

لا ينكر جهود الحكومة في خدمة الحجيج وضيوف الرحمن إلا شخص جاحد أو حاقد، ولا ينكر نجاح حج هذا العام إلا إنسان ظالم لنفسه وأمانته، ولكن - وأكررها للموسم الثاني على التوالي، وفي التاريخ نفسه، وبعد أن كتبتُ العام الماضي مقالة بعنوان "نعم الحج نجح.. ولكن.." - أعود وأكرر هنا أن نجاح الحج لا يعني غض الطرف أو تجاهل بعض السلبيات التي يجب أن نقضي عليها، كما ينبغي على المسؤولين والقائمين على خدمة ضيوف الرحمن تقبل كل الآراء والانتقادات والاقتراحات، وعدم المكابرة واعتبار ذلك من التصيد للأخطاء وإبرازها فقط؛ حيث إن أولى خطوات التصحيح الاعتراف بالأخطاء والسلبيات؛ حتى نصل إلى مراحل متميزة في التنظيم وخدمة الحجيج هذه الاستضافة العظيمة التي نُحسد عليها.


أولى هذه السلبيات وأهمها القضاء على ظاهرة الافتراش، التي تشغل وتقلق سنوياً القائمين على تنظيم الحج، سواء إمارة مكة أو وزارة الحج أو وزارة المالية أو وزارة الشؤون البلدية والقروية أو غيرهم ممن لهم علاقة بتنظيم موسم الحج. وحل هذه الإشكالية - من وجهة نظري المتواضعة - لن يأتي بتسوير المشاعر أو بأسورة المعاصم لفرز الحجاج النظاميين من غيرهم كما طُرح من اقتراحات مؤخراً من بعض القائمين على شؤون الحج هذا العام؛ فهذه كلها حلول واهية، لا تجدي شيئاً، ولن تؤتي النتائج المأمولة.


طريقة واحدة لا غيرها قد تقلص - ولا أقول تقضي على - ظاهرة الافتراش، وقد تسهم كثيراً في حل هذه الأزمة السنوية المقلقة، وهي طريقة بسيطة جداً، ولا تحتاج لكيمياء أو فيزياء أو أي اختراعات أو اجتهادات، ألا وهي تخفيض أسعار الحملات.. نعم، تخفيض أسعار الحملات فقط لا غير!!


ألم أقل لكم إن الحل موجود، وسهل جداً، ولكن نحن من يعقِّد الأمور ويطوِّرها..
يا جماعة، وبعيداً عن المكابرة، وبعيداً عن تحميل الحجاج المفترشين المخالفين ما لا يحتملون من أسباب مختلفة، ورمي كل ذلك على عواتقهم.. عليكم - إن كنتم جادين في حل هذه الظاهرة - أن تنهوا جشع ونصب واستغلال حملات الحجاج، وتحديداً حجاج الداخل، التي أوصلت سعر الحملات إلى متوسط يصل إلى عشرة آلاف ريال، وأجزم بأن هذه الإشكالية لو حُلِّت فسوف نقضي على 70% من ظاهرة الافتراش، وهذه نسبة كبيرة جداً..
السلبية الثانية: مشكلة النظافة، وللأمانة ظهرت المشاعر في أيام الحج بشكل مُزْرٍ للغاية من حيث مستوى النظافة، وحقيقة لا أعلم هل عمال النظافة وُضعوا وجُندوا للنظافة أم للشحاذة من الحجيج؟


السلبية الثالثة: ما صاحب تدافع قطار المشاعر، الذي ينبغي معاقبة المتسببين به فوراً، والتشهير بهم؛ وذلك حتى لا يتكرر ذلك في الأعوام المقبلة، وحتى يكونوا عِبْرة لغيرهم..
السلبية الرابعة: استغرب الجميع إعلان نجاح حج هذا العام في اليوم الثاني عشر، أي ثاني أيام التشريق؛ حيث كان يفترض - وبديهياً - إعلان ذلك بعد نهاية ثالث أيام التشريق، أي في اليوم الثالث عشر؛ فمن يعلم، قد يحدث شيء ـ لا قدر الله ـ في آخر يوم، حتى وإن كان ثالث أيام التشريق يُعَدّ أخف أيام الحج وأقلها عدداً بنحو النصف أو أقل مقارنة بيوم التعجل الثاني عشر.


السلبية الخامسة: تتعلق بردة الفعل الغريبة، التي تُظهر عدم تقبل انتقادات بعض المغردين عبر "تويتر" أو الإعلام الجديد، وهي ما فُسِّرت بأنها جاءت رفضاً لتغريدات الصحفي الرياضي المعروف بصحيفة عكاظ الأستاذ محمد الغامدي، التي جُمعت ونُشرت بصحيفة الوئام في مقالة تحت عنوان "آخر مرة أحج".


وأعتقد أن شخصاً بقيمة الزميل محمد الغامدي لا يمكن أن يأتي بشيء من خيالاته، خاصة وهو إعلامي معروف، إضافة إلى أنه أحد من وفقه الله لأداء حج هذا العام؛ لذلك ينبغي التفاعل مع كل الانتقادات، وعدم تهميشها والانتقاص منها بدعوى أنها إعلام جديد، أو غيره؛ ففي النهاية الهدف الأسمى هو الوصول إلى كل ما من شأنه الارتقاء بخدمة ضيوف الرحمن.




http://sabq.org/VW0aCd