يا معالي وزير الصحة.. لا تزر وازرةٌ وزر أخرى

لقد التهبت بل اشتعلت كل وسائل الإعلام بقضية الفتاة البريئة "رهام الحكمي"، التي حقنتها يدٌ ظالمةٌ دماً ملوثاً بفيروس نقص المناعة "الإيدز".

وبقدر حزني وألمي واستيائي لما آلت إليه هذه الفتاة البريئة كانت سعادتي بهذا الكم الهائل من تعاطف الناس، ومدى إحساسهم بمعاناتها وأهلها، وخوفهم من الوقوع فيما وقعت به؛ من جراء الإهمال أو غياب الضمير ممن فعل ذلك الفعل الآثم. وهذا يبيّن جانباً مشرقاً من فوائد وسائل الإعلام، وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي، التي مازجت مشاعر الناس؛ فكانوا في بوتقة واحدة فرحاً وترحاً، ونحوهما من المشاعر التي تختلج في صدور مرتادي تلك الوسائط، وهم نسبة عالية بالمجتمع.

كما أن من الفوائد الأخرى أن الإعلام أصبح ذا عين مبصرة، بل عيون كثيرة كبيرة بصيرة، تكشف الفساد، وتستقصي أحوال الناس في كل أنحاء البلاد، رغم اختلاط الجيد بالرديء، والصدق بالكذب، والحقيقة بالوهم.

وعوداً على بدء، فإن ما حصل للضحية "رهام" يستحق الوقوف عنده أكثر مما مضى؛ لمناقشته بعيداً عن التشنج أو ردات الفعل المتعجلة المتشنجة؛ ذلك أن أكثر الذي قرأناه وسمعناه عبر وسائل الإعلام كان انفعالاً واندفاعاً غير محكوم بالعدل. ومن العجيب أن عدداً ممن كنا نظنهم يحكِّمون العقل، ويتحرون العدل، قد تنكَّبوا الصراط، فصبوا جام غضبهم على وزير الصحة، حتى أن الجاهل بالأمر يظن أن الوزير نفسه هو من حقن الفتاة البريئة بهذا الدم، أو هو من حرض عليه وأوصى به، وذلك ظلمٌ واضحٌ؛ فمن المعروف - بداهةً - أن الظلم يقاوَم بالعدل، وليس بظلم مثله؛ لذا جاء الإسلام ليضبط انفعال الناس واندفاعهم نحو الانتقام والتشفي وتوسيع دائرة الاتهام دون دليل؛ فجعل الإثم والتجريم على من قام به أو أعان عليه بقصد، أو آوى وتستر على من قام به، وغير أولئك لا شأن لهم به؛ ومن هنا جاء القرآن واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار حين بيَّن أن من عدل الله في خلقه أنه لا يؤاخِذ شخصاً بجريرة غيره، وهذا ما ورد بصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وكذلك في القرآن الكريم حيث يقول تعالى (أم لم يُنبأ بما في صحف موسى. وإبراهيم الذي وفَّى. ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى) 26/ 27/ 28 سورة النجم. وهل تدبر أولئك قوله تعالى (قل أغيرَ الله أبغي رباً وهو ربُّ كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزرُ وازرةٌ وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) الأنعام 164؟ وقال عزَّ من قائل (ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم) 7 الزمر.

ويؤكد القرآن الكريم ذلك العدل في قوله تعالى (ولا تزرُ وازرةٌ وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يُحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) 18 الإسراء. فهل بعد هذا التبيان حاجة إلى أن يعرف المتنادون إلى استقالة وزير الصحة وعدم الاكتفاء بمحاسبة المتسبب مباشرة أن ما يدعون إليه قد تجاوز المسيء إلى غيره؟؟؟؟

مع قناعتي بأن أولئك على فئتين:
فئة تنعقُ خلف كل ناعقٍ ممن يحكِّمون عواطفهم، ويتجهون حيث تميل بهم أهواؤهم وأقلام وألسنة غيرهم.
وفئة أخرى لها أهداف غير ما هو معلن، أضعفها تصفية الحسابات أو إثارة العامة، وبثّ الفُرقة وإرجاف الناس، وليس خوفهم على المجتمع وبحثهم عن العدالة، وإلا لماذا تحاملوا على وزير الصحة أكثر من تحاملهم على المباشِر للإثم وهم يتلون قول الله تعالى على لسان نبيه يوسف (معاذَ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون)؟ إننا نذكرهم بأن ما يقولونه قد حادوا به عن الحق، وتجاوزوا به أمر الله في قوله سبحانه (قل أمر ربي بالقسط) 29 الأعراف، وقول الحق (ولا يجرمنَّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون) 8 المائدة.

وليت شعري، هل فكَّر كل أولئك الذين يطالبون معالي وزير الصحة بالاستقالة ما هو حال البلد لو طولب كل وزير بتقديم استقالته؛ من جراء خطأ أو أكثر قام به موظف بقطاعه في شمال السعودية أو جنوبها أو في أي بقعة من هذا البلد؟ هل سيبقى وزير بوزارته؟! إن الأخطاء واردة الحدوث، ولا نلتمس عذراً لمن وقع بها إذا كان ثمنها إضراراً بالناس أو المصلحة العامة أو أمن البلد، ولكن تبقى المحاسبة على المتسبب دون غيره.
نسأل الله الهداية إلى قول الحق في الرضا والغضب والمنشط والمكره.



http://sabq.org/9e1aCd