الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، هكذا لسان حال كل مواطن تأذى من السيول في الأيام الماضية، وكان الجميع بلسان واحد يدعون "يا رب سلم، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب"، ووسائل الإعلام والتواصل المختلفة تنقل الأحداث أولاً بأول، وكل منطقة أو محافظة تعتقد أن المخاطر عندها أكثر.. ولأنني أقيم في محافظة الطائف فقد كنت أتابع ما يدور فيها باستمرار، وأشاهد في عيون الناس الخوف والهلع، حتى أن أصحاب المنازل البعيدة عن الأودية أصبحوا يخافون من كثرة الحوادث؛ فالسيول داهمت الكثيرين في منازلهم، وجرفت ممتلكاتهم، ودمرت أثاثهم، والدفاع المدني يصارع في الجنوب تارة، وفي الشمال تارة، والناس يتدافعون في كل مكان لنجدة المحتاجين للعون والإنقاذ.. يا الله، كل هذا يتم في بلدي لكشف الفساد الذي أصبحنا نشعر به في كل شؤون حياتنا. ونتساءل: أين تذهب أموال الدولة التي تنفَق لمشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول؟ فلم يعد للسيل مجرى؛ فالأحياء تغرق، والشوارع كالأنهار، تجري وتحمل كل شيء في طريقها، ونداءات الاستغاثة تدوي من كل مكان، والدفاع المدني استنفد كل إمكاناته وطاقاته، وبدأ المواطنون يشعرون بكبر حجم الكارثة؛ ما دفعهم إلى المخاطرة بأنفسهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم يعد الدفاع المدني يمانع من مساعدته كما كان سابقاً بل ترك للجميع فرصة الإنقاذ والمشاركة.
إحصائيات مذهلة لعدد المتوفين والمصابين ومن تم إنقاذهم وإيواؤهم، ومع هذا فإن الناس بلا وعي منجرفون وراء التمتع بمناظر السيول والفرجة بحركات بهلوانية لبعض الشباب، في حين تناسوا أنهم إنما يُلقون بأنفسهم إلى التهلكة، وهذا عقاب من الله لعدم امتثال أوامره؛ إذ قال سبحانه {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
إن ما يُخفّف المصاب هو تفاعل خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - مع هذه الكارثة؛ إذ صدرت أوامره الكريمة بتخفيف آلام من فُجعوا، سواء في الأنفس أو الممتلكات، وتعويضهم. ولا شك أن هذا الأمر سيخفف عنهم حجم الكارثة التي ألمت بهم. نسأل الله أن يجبر مصابهم، وأن يرحم المتوفين، وأن يكتبهم من الشهداء، ويصلح أحوال المسؤولين الذين يديرون أعمالهم من على كراسيهم تاركين المفسدين يعيثون في الأرض فساداً.
http://sabq.org/3i1aCd