نعيش أيامنا في ترقب وتوتر وقلق , ننتظر آمالاً بعيدة , ونخشى أوهاماً أبعد. نستهلك أوقاتنا في تفكير محض لا يؤدي إلى نتيجة , ولا يفضي إلى قرار , متأملين أن تأتي اللحظة التاريخية للخروج من ذلك.
نذل رقابنا , ونكبح رغباتنا , ونقاوم نزغاتنا , ونواصل (عمل) النهار بـ(تفكير) الليل في سبيل أن نجمع حفنة من الريالات , نسومها خسفاً حين نتعرض لمحنتها , ونتعبدها حين نخلو بها , رغبة في أن نتمتع بها وننفقها على سعادتنا ، وذلك بعد أن نتوهم أن اللحظة التاريخية لم تحن بعد.
نكيد لبعضنا , نتضايق من أقاربنا , نهجر أصدقاءنا , وحين تحين اللحظة التاريخية للاقلاع عن هذه الخطايا في (رمضان) نعود ملائكة تمشي في الطرقات , فندعو ونتبتل ونبكي بكاء من لا يريد العيش , وحين ينقضي الشهر , تنقضي معه الكثير من المعاني الإنسانية في أنفسنا , فنرجع أسوأ مما كنا وذلك في انتظار لحظة تاريخية أخرى.
تفتح الشاشة الفضائية فتتناثر الأشلاء في وجهك كقطع نرد متناثرة , تستمع إلى الإذاعة فلا تسمع إلا صرخات المرضوخين من تحت الأنقاض , فلا صوت يعلو فوق صوت (المعركة) ثم تقرأ جريدة الصباح ممنياً نفسك في مقال إيجابي لمفكر عربي , أو حكمة تفاؤلية لفيلسوف غربي , فتتقافز إلى مرآك أعمدة من النقد والشتم واللطم في الحكومة والمجتمع والأفراد , فتضطرب من داخلك وتقول: الأرض لم تعد مكاناً آمناً للعيش , وكان الأحرى بك أن تفتتح يومك بقراءة كتابٍ روحيٍ إيجابيٍ , أو تستمع إلى آية قرآنية بصوت شجي , قبل أن تطلق السؤال الشهير الذي يفرضه عليك عقلك الاعتيادي: متى تحين اللحظة التاريخية وننعم بالسلام؟! .
حينما تجتاحنا المراهقة نحب فتاةً ما ببراءة , تنقضي المراهقة فينتهي العشق , ندخل الحياة الجامعية فنحب أخرى ثم ما نلبث أن نهجرها , وحين نظن أننا كبرنا وندخل الحياة العملية نقع في الفخ مرة أخرى , مثنى وثلاث ورباع , كيما تحين اللحظة التاريخية فنتزوج لنشعر بفردوس أرضي مع امرأة مختلفة , فينجح قليل ويخفق آخرون , وكان بإمكانهم أن يقتنصوا تلك اللحظة المنشودة , لو تأملوا طويلاً بيت المعري الشهير :
إن شئت أن تلقى المحاسن كلها .. ففي وجه من تهوى جميع المحاسن
نقرأ كتاب الله فلا يؤثر فينا , نتفحص سيرة الرسول الكريم وأحاديثه ومواقفه , فلا نطبقها , نطلع على سفر ضخم وهائل من كتب التاريخ, والفكر وتطوير الذات وعلم النفس, وندّعي أننا سنتغير لكن بعد أن تحين اللحظة التاريخية , فنموت قبل أن تصل , لأن المثبطين يتناسلون , والله تعالى يقول عن أمثالهم ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم) (التوبة: 46).
يا صديقي: أوقف الأعذار , اللحظة التاريخية بين يديك الآن , وهنا.
http://sabq.org/Zj1aCd