تذكرت بعض قصائد الحداثيين وأنا أقرأ الصفحات التي كُتبت في تحليل وزارة التربية والتعليم لمضمون شعار الوزارة الجديد. ووجه الشبه بين الحالتين أن الحداثيين استعانوا ببعض النقاد الذين حاولوا إضفاء شيء من الحياة على بعض القصائد الميتة، في حين استعانت الوزارة ببعض الجُمل الإنشائية؛ كي توضح الشعار وخطواته وأهدافه وبعض مدلولات الخطوط الداكنة والفاتحة!
حين أكتب مستحضراً بعض قصائد الحداثيين في هذا التشبيه فأنا لا أهزأ بهم ولا بشعرهم، لكنني أستعيد شيئاً من الذكريات الجميلة التي يستخدم فيها الخيال لتبرير الواقع السيئ؛ فالعجلة كانت تتلبس بعض الحداثيين في تجهيل الناس، ومحاولة إقناعهم بأن ما يقوله بعض شعراء الحداثة شعرٌ، لا يجب تجاوزه دون تفاعل أو تشجيع، لكن الحداثيين أنفسهم تجاهلوا أن هناك ذائقة عربية أدمنت قراءة وسماع وحفظ أجود الشعر العربي وأحسنه!
اليوم أقف قارئاً لشعار وزارة التربية والتعليم الجديد كما وقف أعداء الحداثة مفندين بعض حجج الحداثيين في ذلك الزمن "وإن كان في تفنيدهم بعض الخطأ"، فأسوق بعض الملحوظات التي توصلت لها بعد أن أصبح الشعار بين يدي، ومعه دليل الاستخدام، ولا أزعم في هذه الرؤية أن كل الحقيقة معي!
الشعار كما يقول دليل الاستخدام: "ينطلق من الرؤية الجديدة لوزارة التربية والتعليم والخطط الاستراتيجية التي تسير بها نحو المجتمع المعرفي، وتأتي الانطلاقة الجديدة للهوية عاكسة لتلك الرؤية التي جعلت الطالب محورها منذ المراحل الدراسية الأولى في الروضة وصولاً إلى المرحلة الثانوية، حيث يحلق بكل حرية؛ ليبدأ مرحلة جديدة نحو المستقبل". وكم أخشى أن يصبح مصير "الخطط الاستراتيجية" كمصير الخطط "العلمية المدروسة" التي أضاعت علينا القدم، فلم يعد حضورنا مجدياً، ولا غيابنا مأسوفاً عليه!
الشعار الجديد لوزارة التربية والتعليم يبحث في نفوسنا عن تصالح مع الحاضر، بما فيه من تقصير وإهمال وغياب فعلي للمكتسبات السابقة، كما أن فيه رغبة ما في نسيان الماضي أو نسفه من أساسه، فالشعار يريدنا أن نتعامل مع التجريد، وفق الخيال، ولا وفق معطيات الحاضر، ونظرات المستقبل التي عادة ما يكون منطلقها الحاضر، فالشعار ينطلق من حسبانه خطوات المستقبل بناء، وكل الخطوات السابقة تجريباً، فيأخذ من الخيال صوره وأهدافه، ويحيلها إلى معطيات سرعان ما ينكرها الواقع؛ لأن الواقع يثبت ألا شيء تغير، ولم يلحظ المعلمون أو الطلاب في الميدان التربوي أن هناك شيئاً ملموساً قد حدث؛ فالمباني التي كانت مستأجَرة حلت بمبانٍ أسوأ، فلا مرافق جيدة، ولا فصول مشجعة على التعلم، ولا مقررات تتلاحم فيها المعرفة نتيجة التدريب والتطوير وتذليل العقبات!
التعليم بحاجة إلى خطوات ملموسة يا وزارة التربية والتعليم، أهدافها واضحة، وخطواتها متفق عليها، يشترك فيها المخطط مع المستهدف، وتؤخذ فيها طبيعة المكان بشكل جيد؛ فلم يعد مستساغاً أن يستهدف طالب في أقصى الشمال أو الجنوب بالخطوات نفسها التي يستهدف بها طالب في وسط العاصمة!
أشعر بأسف كبير وأنا أقرأ كل يوم عن مشروعات التعليم وأمواله ولا أجد في حجرة درسي غير سبورة قديمة، وقلم أشتريه بحر مالي، ومرافق لا تخدم نشاطاً، ولا تستوعب الأحلام كما في الشعار الجديد!
ليس عيباً أن تحلم وزارة التربية والتعليم، لكن عليها ألا تستعجل الحلم، فتتكئ عليه دون أن تنظر إلى الواقع، فكل شيء في الميدان التربوي يشكو حاله إلى الله!
فاصلتان قبل الختام:
ـ اكتشفت في الشعار الجديد رؤية يمكن أن يستفيد منها المنظر، فعند طباعة الشعار بالأبيض والأسود يضيع الحلم ويبقى الواقع، حين تختفي منه الألوان الفاتحة وتبقى الألوان الداكنة، وربما كان هذا الاختفاء هدف المصمم، وطموح المستفيد!
ـ يبدو أن الوزارة عازمة على أن تصرف للمدارس طابعات ملونة وأحباراً، وتتعهدهما بشكل دوري؛ كي تحافظ على الشعار بالشكل الذي وضعته واعتمدته، وإلا كان حلمها ناقصاً!
http://sabq.org/jb1aCd