وسط ذهول وصدمة الجميع بحادثة مستشفى جيزان الكارثية، خرج علينا بيان وزارة الصحة بشأن موقفها من الطفلة رهام حكمي هزيلاً متخبطاً متناقضاً ومتحايلاً في الوقت ذاته، ضارباً بمشاعر الناس، وبالحقائق الطبية عرض الحائط، وحتى لا نتجنّى على ذلك البيان المستفز إليكم بعض الحقائق والشواهد:
•الوزارة أوهمت الرأي العام، بل ضللته بوجود فرصة لعدم انتقال العدوى للطفلة بعد إعطائها مضادات الفيروس الحديثة فور اكتشاف الحالة، وأعلنت وجود مؤشرٍ إيجابي لشفائها، وهذا أخطر تضليلٍ يأتي من الجهة المسئولة عن حماية صحة المواطن والمقيم، في مغالطةٍ صريحةٍ للحقائق العلمية، وكأنها تبشر العالم باكتشاف علاج لطاعون العصر ـ في حين أن المعلومات الطيبة تؤكّد على لسان المختصين بالعدوى، أن أيَّ شخصٍ يُنقل له دم ملوّث بالإيدز بطريقةٍ مباشرة وبكميةٍ كبيرة تكون نسبة الإصابة 100 % فضلاً عن أن الطفلة رهام مصابة بالأنيميا مما يضعف مناعتها لمقاومة المرض، وهذا يكشف أن أسلوب الوزارة تخديري تضليلي يخلو من الأمانة العلمية والمسؤولية والهدف منه فقط، محاولة الخروج من الأزمة.
•اعتبرت الوزارة المبجلة أن تدمير حياة طفلة في أحد مرافقها الصحية بنقل دم ملوّث بفيروس نقص المناعة المكتسبة (إيدز) خطأ فردي، أي أنه ليس خطأ الوزارة، ثم أصدرت 11 قراراً منها 6 قرارات إعفاءات لقيادات بالوزارة "بما يبرهن أنه ليس فردياً" وإغلاق التبرُّع ببنك الدم بمستشفى جيزان، وهذا يعكس الخلل الذي يقود منظومة الخدمة الصحية بجيزان، ويثير القلق بشأن إمكانية تكرار الإهمال واللامبالاة وتردي الخدمات الصحية في بقية المناطق.
•الوزارة سحبت ترخيص العمل، وفصلت فني المختبر في محاولةٍ لامتصاص الغضب العارم، لكنها لم تفعل الشيء ذاته مع عديدٍ من الحالات المشابهة والأخطاء الكبيرة القاتلة. وهنا السؤال المهم: هل هذا الإجراء لحماية المواطن أم لحماية كبار المسئولين التنفيذيين وعلى رأسهم وزير الصحة؟!
•لقد بحت أصوات المختصّين في علوم الإدارة الصحية وإدارة المستشفيات من التحذيرات المتكرّرة من خطورة إسناد مهام إدارية صرفة لأطباء غير مؤهلين، وبذلك نخسر الطبيب ولا نكسب الإداري، وعلى الرغم من ذلك تصرُّ الوزارة وتتعنت بكل استهتارٍ وتحدٍ وتتحيّز لزملاء المهنة، وتواصل تعيين الأطباء في مناصب إدارية وقيادية في الوزارة من مديري المستشفيات ومديري الشئون الصحية ونواب الوزير للتخطيط ونائبه التنفيذي هم أطباء، وهذا مبررٌ كافٍ لحدوث الأخطاء وتكرارها بلا مبالاة ولا مسئولية، ولا محاسبة نفس، ولعمري إذا غابت الحنكة الإدارية، هل يغيب معها الضمير الإنساني، وتتوارى أخلاقيات المهنة؟؟ هؤلاء عليهم تحمُّل المسئولية كاملة وإعلان استقالاتهم بكل شجاعةٍ إذا كانت حياة المواطن لها مساحة في وجدانهم.
•نحن دولة حباها الله ثروة هائلة، ولديها ميزانية يتحدّث عنها العالم بأسره، وميزانية وزارة الصحة تعادل ميزانية أكثر من دولة لا تحدث فيها مثل هذه الأخطاء القاتلة المدمّرة الكارثية، نحن لسنا مثل سوازيلاند القابعة في أدغال القارة السمراء وهي ضمن أعلى معدلات نسبة الإصابة بالإيدز .. ولا تقارن بما لدينا من إمكانات تقنية وعلمية وتقدم طبي ، ومسألة حدوث نقل دم ملوّث بالإيدز في سوازيلاند شبه مستحيلة.
لكن - مع الأسف - في القرن الحادي والعشرين وفي عام 2013م يحدث ذلك في مملكة الإنسانية التي حققت ريادة في مجال الطب، وتأبى سلوكيات وزارة الصحة ولا مبالاة قياداتها إلا أن تضع سمعتنا في الميزان، وتضع كذلك ثقة المواطن بوزارته في مهب الريح .. عفواً معالي وزير الصحة .. نحن لسنا في سوازيلاند!!
http://sabq.org/De1aCd